اليابانية: لغة في حال تبدل..تهديد الإستيراد الغزير للكلمات الأجنبية لأسس التواصل بين الناس..
بقلم/ توموكو أوتاكي
اللغات لييست ثابتة أبداُ بل هي في حالة تغير و تطور على مر الزمن, و تتفاعل مع اللغات الأخرى في دائرة مفرغة من عمليات إقراض الكلمات و إقتراضها حيث يتم تبادل الأفكار و المفاهيم عبر حدود الوطن و الثقافة.
إن التدفق الغزير للمفردات الأجنبية إلى اللغة اليابانية, و من اللغة الإنجليزية بشكل خاص هذه الأيام, يثير قلق اللغويين و واضعي السياسات اللغوية حيث يرون بأن هذا الإستخدام لما يدعى بالكلمات المستعارة, المعروفة باسم (الغايرايغو) في اليابان, يحدث بنسبة كبيرة لدرجة أن العديد من اليابانيين لم يعودوا قادرين على فهم بعضهم البعض تماماً. قد يستخدم بعضهم الكلمات المستعارة لمجرد التباهي رغم توفر الكثير من التعبيرات اليابانية لنفس المعنى حيث قد لا يفهم شخص آخر كلمة متجذرة أصلاً في لغة غير لغته. بمعنى آخر, فإن الإتصال مفقود: ليس في الترجمة و إنما في إنعدامها.
هذه الظاهرة ليست جديدة, فإساءة إستخدام الغايرايغو, التي تكتب عادةً بحروف الكاتاكانا, تثير إستغراب البعض: بسبب الكانجي أو على وجه أدق بسبب إفتقار هذه الكلمات المستعارة حديثاً للكانجي.
منذ عهد آسوكا (592-710) و اليابان تستورد الكانجي (الرموز الصينية) و تستخدمها الآن بشيء من التعديل كصميم اللغة اليابانية. بمجرد أن فتحت اليابان نفسها على الغرب في فجر عصر الميجي عام 1868م بعد 250 عاماً من العزلة وصل إليها طوفان فعلي من المفاهيم و الأشياء الجديدة لكن كان كل الشعب الياباني قادراً على فهمها و هضم التغير لأن الكلمات المستخدمة لوصف هذه الإبتكارات الجديدة كانت تكتب بالكانجي.
يقول اللغوي الياباني البارز سوسومو أونو في كتابه الصادر عام 2002م بعنوان (نيهون غو نو كيوشيتس- طبقات اللغة اليابانية): " استخدم الشعب الياباني و لأكثر من 1000 عام اللغة الصينية التي استوردوها هي الأخرى لزيادة مفرداتهم و صقلها, لو كنا نعيش في عالم بلا كانجي فما كنا لنكون قادرين على استيعاب التأثيرات الأوروبية بالسرعة التي حصلت"
خلال العقود الماضية, خاصةً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية, اعتمدت اليابانية بشكل متزايد على الكلمات المستعارة الغايرايغو لاستيعاب التقنيات و المفاهيم من الخارج, و في هذه العملية يضيع المعنى بالنسبة للكثير من الناس. على العكس من الكانجي التي هي بمثابة رموز يمكن لتركيبات مختلفة منها أن تعطي أدق الفروقات, فإن حروف الكاتاكانا هي عبارة عن مقاطع صوتية تمثل صوت الكلمة. النطق الياباني للكلمة قد يبقي على القليل من الشبه للأصل الانجليزي, و ليس من غير المعتاد أن تأخذ بعض الكلماات المستوردة معانٍ مختلفة باليابانية, ككلمة (ريدوسو) من
Reduce
الانجليزية بمعنى تقليل, غير أنها باليابانية لا تشير إلى غير "الحد" من تكون النفايات.
يقول الخبراء بأن مشاكل التواصل ستزداد كلما استمر نمو مفردات الكاتاكانا و في كتاب بعنوان (غايرايغو نو شاكاي غاكو: إينغوكا سورو كوميونيكيشون) - (علم اجتماع الغايرايغو: السطوة المتزايدة للمفردات الفردية على عملية التواصل ) و الذي صدر عام 2005 بقلم يويتشيرو يامادا أستاذ سياسة اللغة في جامعة شودو في هيروشيما الذي يخص المثقفين و المحترفين باللوم على إدخال المفردات الانجليزية و ما تبعه من تخبط هائل بشأن كلمات الكاتاكانا. يامادا يؤكد أن هذا الطوفان من كلمات الكاتاكانا يحدث جزئياً بسبب إحساس قديم لدى الشعب الياباني بالنقص تجاه كل ماهو من الغرب و كل هذا قاد الناس إلى تبادل رسائل بلا معنى بحيث " يجعلون من الكلمات مجرد أداة لإرسال إشارات و أحاسيس."
قال يامادا مؤخراً للجابان تايمز:" في عصر الميجي (1868-1912) قام الناس الذين استوردوا المفاهيم و الأفكار الجديدة بدور المعلمين أيضاً." مشيراً إلى أن المزيد و المزيد من الغايرايغو اليوم تتعلق بمفاهيم و أفكار مجردة بدلاً من كونها كلمات لوصف أغراض و جوامد مثل (تيري بي- من تيليفزيون) فأصبح أكثر صعوبة للناس العادية أن تفهم الغايرايغو.
يقول يامادا: " نرى المزيد و المزيد من جماعات الأوتاكو (المهوسيين ) الصغيرة ممن يغترون باستخدام مفردات فردية لمجرد التباهي بمدى معرفتهم, و إذا أصبحت كلمتهم الدخيلة التي بدأوها ذات شعبية فهم يعتبرونه أشبه بانجاز."
أي نوع بالضبط من المفردات المتخصصة يشير إليه يامادا؟؟ نشر المعهد الوطني للغة اليابانية في يونيو من عام 2006 كتاباً مع قائمة لمفردات الغايرايغو التي اعتبرها الناس غير مفهومة. التقرير كان يستند جزئياً إلى إستطلاعات شارك فيها ما يزيد عن 3000 ياباني بين عامي 2002 و 2004 سألهم فيها المعهد عن مستوى تعرفهم و فهمهم و إستخدامهم ل450 كلمة كاتاكانا. أقل كلمات الغايرايغو فهماً وفقاً للاستطلاع كانت كلمة (رود بورايشينغو ) من كلمة
Road pricing
الانجليزية أو تسعيرة الطريق و هذه الكلمة تشير إلى قانون يقضي بتكليف السائقين بالدفع مقابل إستخدام طرق و مواقف معينة بهدف تقليل الإزدحام أو أثره على البيئة.
6.1 % فقط من عينة الإستطلاع سمعت بها من قبل و ليس أكثر من 3% فهمته و 0,5 % تستخدمه. بينما أولئك فوق الستين لم يسمع بها غير 2% و لم يستخدمها أي منهم.
ثاني كلمة على القائمة كانت (ببريكو إينبوروبومينت) من كلمة
Public involvement
الانجليزية. و هي مفردة تخصصية حكومية تعني مشاركة الشعب في وضع الخطط السياسية. 3% فقط من عينة الإستطلاع فهمت معنى التعبير- الأمر الذي يثير تساؤلاً و الحال كذلك: كم من الناس سيشارك في أي مبادرة تعرضها الحكومة أياً تكن؟
وجد إستطلاع المعهد الوطني أن أكثر من نصف العينة قالت بأنها تأمل أن تستبدل كلمات الغايرايغو المتخصصة بكلمات يابانية في مجالات كالسياسة و الإقتصاد و الطب و الخدمة الإجتماعية, و أقل من 10% عبروا عن نفس في الرغبة في مجالات الأزياء و الرياضة و الطبخ و الموسيقى.
واضعين نصب أعينهم آراء الشعب, وضع المعهد في كتابه قائمة ببدائل الكانجي اليابانية لكلمات الكاتاكانا الحالية و التأكيد على أجهزة الحكومة البلدية و الوطنية و كذلك الصحف على الكف عن إستخدام الكاتاكانا. غير أن يامادا ليس متفائلاً بما يمكن لهذه القوائم أن تفعله لتحسين الوضع و يقول: " لا يمكن للمعهد أن يجاري السرعة التي تظهر بها الغايرايغو." و بدلاً من ذلك يرى أنه على الناس أن يقاوموا بأنفسهم إنقضاض الغايرايغو على لغتهم و لكن ليحدث ذلك فيجب أن يتجذر مفهوم الفردية في اليابان دون أن يتم خلطها بالأنانية. و يقول: "إذا زرت مكتباً حكومياً و بدأ المسؤولون هناك باستخدام كلمات غايرايغو لا تفهمها فعليك أن تدفعهم للتوضيح لك بلغة تستطيع أنت أن تفهمها."
لعل رئيس الوزراء الجديد يظهر شيئاً من القيادة اللغوية إلى جانب قيادته السياسية, و عليه أن يكون خيراً من سلفه شينزو آبي الذي لطالما طعم خطبه بكلمات الكاتاكانا رغم كل سياساته القومية و شعاره لأجل "اليابان الجميلة."
قال آبي في خطبة ألقاها للمجلس عن سياسته في يناير الماضي:
" لنصنع ياباناً جميلة علينا أن نذكر أنفسنا من جديد كم هي عظيمة و رائعة أمتنا... سنبدأ بروجيكتو (مشروعاً) مستقبلياً يهدف إستراتيجياً لإعادة إحياء الكونتوري آيدينتوتي (هوية البلاد) الجديدة داخل البلاد و خارجها..."
http://search.japantimes.co.jp/cgi-bin/fl20070923x1.html
لغة
Labels: لغة
0 Comments:
Post a Comment
<< Home