العراق والعرب على طريق اليابان!
بقلم: نصر شمالي
في واحد من خطاباته الأخيرة المقلقة مضموناً ونصاً وأداءً، والذي كرّسه للدفاع عن حربه في العراق، أجهد الرئيس الأميركي نفسه وهو يشرح لمستمعيه من المحاربين القدماء كيف نجحت الولايات المتحدة في أربعينات القرن الماضي بتحويل اليابان من عدو مستبد شرير إلى حليف مسالم! قال الرئيس بوش أن هذا ما يفعله اليوم بالضبط في العراق، وما سيفعله في البلاد العربية والإسلامية عموماً! إن الديمقراطية الأميركية تواصل تحقيق رسالتها التاريخية في تحويل المستبدين المعتدين الأشرار إلى حلفاء ديمقراطيين مسالمين طيبين، ولو بإبادتهم كما فعلت بالهنود الحمر، أو بتدميرهم تدميراً شاملاً كما فعلت بالأفارقة الأميركيين، وكما تفعل بالفلسطينيين والعراقيين والصوماليين والأفغان!
إن الخطاب الرئاسي الأميركي يثير القلق على مصير البشرية حقاً، فهو لا يتسم فقط بالافتقار الكلي للمنطق، وتلك طبيعة خطابات الحرب العدوانية حيث علاقات الحرب نقيض علاقات المنطق، بل يتسم أيضاً بتلك النبرة التي تنم عن خلل ذهني خطر! وكم كان الشاعر العربي القديم مصيباً حين قال: إني لآمن من عدو عاقل/وأخاف خلاً يعتريه جنون! فما بالك إذا كان المقصود يجمع بين العداوة والجنون؟
لقد هاجمت القوات اليابانية القوات الأميركية في الحرب العالمية الثانية، لكن الرئيس بوش لم يذكر في خطابه سبب ذلك الهجوم المدمّر الذي استهدف بعض القوات الأميركية فحسب، وقد ردّت الولايات المتحدة لاحقاً بمهاجمة المدن اليابانية وقصفها بالقنابل النووية، لكن الرئيس بوش لم يتطرق لهذه الواقعة أبداً! ويفهم من كلامه أن بلاده كانت تخوض حرباً دفاعية عادلة فرضت عليها فرضاً، وأنها قابلت العدوان الياباني الشرير غير المبرر بعمليات حربية دفاعية طيبة، هدفت إلى إقناع اليابانيين بالكف عن عدوانهم، والتخلي عن نظامهم المستبد، والتحول إلى حليف ديمقراطي مسالم طيب، وأنهم اقتنعوا بذلك وحققوا ما أرادته لهم العاصمة الطيبة من خير، مستنتجاً أن هذا ما سوف يفعله العراقيون والعرب والمسلمون عموماً!
ولكن، بمعزل عن خطابات الرئيس بوش، التي لا علاقة لها نهائياً بدوافع وأهداف القضايا المطروحة، فإن التاريخ يقول لنا بالوقائع الموثقة ما حدث في اليابان بالأمس وما يحدث في العراق اليوم، ففي كتابه (الوجه الخفي للنفط) ينقل إريك رولان عن مسؤول صيني كبير قوله أن اليابان، في العام 1941، أحست أن وجودها من أساسه أصبح في مهب الريح عندما قررت واشنطن فرض حظر على مبيعات النفط إليها، وأنها بناء على ذلك شنّت الحرب في منطقة المحيط الهادي! يضيف المسؤول الصيني الكبير: أنا لا أدافع عن اليابانيين، لكنني أتفهم رؤيتهم الواقعية، فحياتهم كانت تتوقف على النفط! هاهنا نفتح قوسين لنقول: إذن فالقاسم المشترك الأعظم في الحرب الأميركية ضدّ اليابان سابقاً وضدّ العراق لاحقاً، وضدّ الصين أو غيرها مستقبلاً، هو النفط بالتأكيد!
واستطراداً نتساءل: هل كان إرغام الحكومة اليابانية على الاستسلام في الحرب العالمية الثانية يستدعي قصف المدن اليابانية بالقنابل الذرية وإبادة مئات الألوف من اليابانيين المدنيين العزّل؟ إن الرئيس بوش في خطابه الذي ألقاه مؤخراً لا يشير إلى هذه المسائل من قريب أو بعيد، لكن الوثائق التاريخية الموثقة تقول أن مجلس الحرب الياباني كان يناقش مسألة الاستسلام بتاريخ 14/8/1945، أي قبل خمسة أيام من إلقاء القنابل الذرية الأميركية على المدن اليابانية، وكان ذلك المجلس منقسماً، حيث هناك من يصرّ على استمرار الحرب، إلا أن الإمبراطور شخصياً حسم الموقف لصالح الاستسلام، وقد كتب الأميركي هاري كيرن في مجلة "نيوزويك" يقول: إن إلقاء القنبلة الذرية لم يكن ضرورياً، ولم يكن إلقاؤها، على أية حال، هو السبب في استسلام اليابان!
لقد شرح عدد من الأميركيين في ما بعد كيف أن الولايات المتحدة أضافت بفعلتها الفظيعة إرهاباً جديداً إلى معنى الحرب، فقال بولدوين: أصبح الرأي العام الاميركي يميل إلى اعتناق المبدأ الدنيء القائل بأن الغاية تبرر الوسيلة، وعلى ذلك فإن استخدام القنبلة الذرية قد كلفنا ثمناً باهظاً، فنحن اليوم موسومون بميسم الوحوش!
غير أن الرئيس بوش لا يأبه للوقائع التاريخية الموثقة، بل لا يأبه للمنطق البديهي وهو يتحدث عن الياباني الذي نجح الجهد الرسولي الأميركي في تحويله من شرير إلى طيب ومن عدو إلى حليف! فالوقائع تقول أن واشنطن، في نهاية الحرب العالمية الثانية، مضت قدماً على طريق تحويل منطقة المحيط الهادي إلى بحيرة أميركية، وهي كانت تأمل أن تكون الصين قاعدتها الضخمة الأساسية في آسيا، وليس اليابان، لكنها اصطدمت بانتصار الثورة الصينية، رغم أن واشنطن أنفقت مليارات الدولارات للحيلولة دون انتصارها، فأصيبت بخيبة مريرة وكبيرة، وعلى أثر ذلك ظهر اتجاهان في الموقف الأميركي: الأول يرى في الهند أو إندونيسيا قوة رئيسية ينبغي الاعتماد عليهما أو على إحداهما، والثاني يرى في نهوض يابان قوية داخل النظام الدفاعي الأميركي مفتاحاً للموقف الأميركي في منطقة المحيط الهادي، وقد اتفقت وزارة الخارجية مع وزارة الدفاع حول اختيار اليابان باعتبارها "أكبر صخرة عسكرية ضدّ الشيوعية في الشرق الأقصى" أي ضد حركات التحرر والاستقلال التي كانت تتهم جميعها بأنها شيوعية!
لقد كانت اليابان دولة استعمارية عدوانية، مثلها مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وكان طبيعياً أن يستقر الخيار عليها كقاعدة بعد استسلامها الكامل، رغم افتقارها للمواد الخام، فدمجتها واشنطن في منظومتها، مستفيدة إلى أبعد الحدود من تجربتها الاستعمارية ومن خصائصها البشرية، حيث الانضباط العالي الموروث والمتأصل لمجتمعاتها، سواء في ظل الديمقراطية أم في ظل الاستبداد، وحيث امتلاكها لمفاتيح التقانة المتقدمة، فأين كل ذلك مما عرضه الرئيس بوش في مقارنته بين الحرب ضدّ اليابان واحتوائها والحرب ضدّ العراق والعرب والمسلمين ومحاولة احتوائهم؟ وهل يتحقق هنا اليوم ما تحقق هناك بالأمس، إذا أخذنا بعين الاعتبار الفوارق الشاسعة، إضافة إلى التبدلات العميقة والشاملة التي طرأت على بنية النظام الدولي، والتي هي في غير صالح السياسة الأميركية التي تريد أن تكرر نفسها بعد فوات الأوان؟
شبكة البصرة
7 أيلول 2007 سياسة خارجية
-----------------------------------
يبدو أيضا أن بوش لم يسمع ما قاله سعود الفيصل بأن العراق غير اليابان وصدام حسين ليس هيروهيتو الإمبراطور الياباني آنئذ.
في واحد من خطاباته الأخيرة المقلقة مضموناً ونصاً وأداءً، والذي كرّسه للدفاع عن حربه في العراق، أجهد الرئيس الأميركي نفسه وهو يشرح لمستمعيه من المحاربين القدماء كيف نجحت الولايات المتحدة في أربعينات القرن الماضي بتحويل اليابان من عدو مستبد شرير إلى حليف مسالم! قال الرئيس بوش أن هذا ما يفعله اليوم بالضبط في العراق، وما سيفعله في البلاد العربية والإسلامية عموماً! إن الديمقراطية الأميركية تواصل تحقيق رسالتها التاريخية في تحويل المستبدين المعتدين الأشرار إلى حلفاء ديمقراطيين مسالمين طيبين، ولو بإبادتهم كما فعلت بالهنود الحمر، أو بتدميرهم تدميراً شاملاً كما فعلت بالأفارقة الأميركيين، وكما تفعل بالفلسطينيين والعراقيين والصوماليين والأفغان!
إن الخطاب الرئاسي الأميركي يثير القلق على مصير البشرية حقاً، فهو لا يتسم فقط بالافتقار الكلي للمنطق، وتلك طبيعة خطابات الحرب العدوانية حيث علاقات الحرب نقيض علاقات المنطق، بل يتسم أيضاً بتلك النبرة التي تنم عن خلل ذهني خطر! وكم كان الشاعر العربي القديم مصيباً حين قال: إني لآمن من عدو عاقل/وأخاف خلاً يعتريه جنون! فما بالك إذا كان المقصود يجمع بين العداوة والجنون؟
لقد هاجمت القوات اليابانية القوات الأميركية في الحرب العالمية الثانية، لكن الرئيس بوش لم يذكر في خطابه سبب ذلك الهجوم المدمّر الذي استهدف بعض القوات الأميركية فحسب، وقد ردّت الولايات المتحدة لاحقاً بمهاجمة المدن اليابانية وقصفها بالقنابل النووية، لكن الرئيس بوش لم يتطرق لهذه الواقعة أبداً! ويفهم من كلامه أن بلاده كانت تخوض حرباً دفاعية عادلة فرضت عليها فرضاً، وأنها قابلت العدوان الياباني الشرير غير المبرر بعمليات حربية دفاعية طيبة، هدفت إلى إقناع اليابانيين بالكف عن عدوانهم، والتخلي عن نظامهم المستبد، والتحول إلى حليف ديمقراطي مسالم طيب، وأنهم اقتنعوا بذلك وحققوا ما أرادته لهم العاصمة الطيبة من خير، مستنتجاً أن هذا ما سوف يفعله العراقيون والعرب والمسلمون عموماً!
ولكن، بمعزل عن خطابات الرئيس بوش، التي لا علاقة لها نهائياً بدوافع وأهداف القضايا المطروحة، فإن التاريخ يقول لنا بالوقائع الموثقة ما حدث في اليابان بالأمس وما يحدث في العراق اليوم، ففي كتابه (الوجه الخفي للنفط) ينقل إريك رولان عن مسؤول صيني كبير قوله أن اليابان، في العام 1941، أحست أن وجودها من أساسه أصبح في مهب الريح عندما قررت واشنطن فرض حظر على مبيعات النفط إليها، وأنها بناء على ذلك شنّت الحرب في منطقة المحيط الهادي! يضيف المسؤول الصيني الكبير: أنا لا أدافع عن اليابانيين، لكنني أتفهم رؤيتهم الواقعية، فحياتهم كانت تتوقف على النفط! هاهنا نفتح قوسين لنقول: إذن فالقاسم المشترك الأعظم في الحرب الأميركية ضدّ اليابان سابقاً وضدّ العراق لاحقاً، وضدّ الصين أو غيرها مستقبلاً، هو النفط بالتأكيد!
واستطراداً نتساءل: هل كان إرغام الحكومة اليابانية على الاستسلام في الحرب العالمية الثانية يستدعي قصف المدن اليابانية بالقنابل الذرية وإبادة مئات الألوف من اليابانيين المدنيين العزّل؟ إن الرئيس بوش في خطابه الذي ألقاه مؤخراً لا يشير إلى هذه المسائل من قريب أو بعيد، لكن الوثائق التاريخية الموثقة تقول أن مجلس الحرب الياباني كان يناقش مسألة الاستسلام بتاريخ 14/8/1945، أي قبل خمسة أيام من إلقاء القنابل الذرية الأميركية على المدن اليابانية، وكان ذلك المجلس منقسماً، حيث هناك من يصرّ على استمرار الحرب، إلا أن الإمبراطور شخصياً حسم الموقف لصالح الاستسلام، وقد كتب الأميركي هاري كيرن في مجلة "نيوزويك" يقول: إن إلقاء القنبلة الذرية لم يكن ضرورياً، ولم يكن إلقاؤها، على أية حال، هو السبب في استسلام اليابان!
لقد شرح عدد من الأميركيين في ما بعد كيف أن الولايات المتحدة أضافت بفعلتها الفظيعة إرهاباً جديداً إلى معنى الحرب، فقال بولدوين: أصبح الرأي العام الاميركي يميل إلى اعتناق المبدأ الدنيء القائل بأن الغاية تبرر الوسيلة، وعلى ذلك فإن استخدام القنبلة الذرية قد كلفنا ثمناً باهظاً، فنحن اليوم موسومون بميسم الوحوش!
غير أن الرئيس بوش لا يأبه للوقائع التاريخية الموثقة، بل لا يأبه للمنطق البديهي وهو يتحدث عن الياباني الذي نجح الجهد الرسولي الأميركي في تحويله من شرير إلى طيب ومن عدو إلى حليف! فالوقائع تقول أن واشنطن، في نهاية الحرب العالمية الثانية، مضت قدماً على طريق تحويل منطقة المحيط الهادي إلى بحيرة أميركية، وهي كانت تأمل أن تكون الصين قاعدتها الضخمة الأساسية في آسيا، وليس اليابان، لكنها اصطدمت بانتصار الثورة الصينية، رغم أن واشنطن أنفقت مليارات الدولارات للحيلولة دون انتصارها، فأصيبت بخيبة مريرة وكبيرة، وعلى أثر ذلك ظهر اتجاهان في الموقف الأميركي: الأول يرى في الهند أو إندونيسيا قوة رئيسية ينبغي الاعتماد عليهما أو على إحداهما، والثاني يرى في نهوض يابان قوية داخل النظام الدفاعي الأميركي مفتاحاً للموقف الأميركي في منطقة المحيط الهادي، وقد اتفقت وزارة الخارجية مع وزارة الدفاع حول اختيار اليابان باعتبارها "أكبر صخرة عسكرية ضدّ الشيوعية في الشرق الأقصى" أي ضد حركات التحرر والاستقلال التي كانت تتهم جميعها بأنها شيوعية!
لقد كانت اليابان دولة استعمارية عدوانية، مثلها مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وكان طبيعياً أن يستقر الخيار عليها كقاعدة بعد استسلامها الكامل، رغم افتقارها للمواد الخام، فدمجتها واشنطن في منظومتها، مستفيدة إلى أبعد الحدود من تجربتها الاستعمارية ومن خصائصها البشرية، حيث الانضباط العالي الموروث والمتأصل لمجتمعاتها، سواء في ظل الديمقراطية أم في ظل الاستبداد، وحيث امتلاكها لمفاتيح التقانة المتقدمة، فأين كل ذلك مما عرضه الرئيس بوش في مقارنته بين الحرب ضدّ اليابان واحتوائها والحرب ضدّ العراق والعرب والمسلمين ومحاولة احتوائهم؟ وهل يتحقق هنا اليوم ما تحقق هناك بالأمس، إذا أخذنا بعين الاعتبار الفوارق الشاسعة، إضافة إلى التبدلات العميقة والشاملة التي طرأت على بنية النظام الدولي، والتي هي في غير صالح السياسة الأميركية التي تريد أن تكرر نفسها بعد فوات الأوان؟
شبكة البصرة
7 أيلول 2007 سياسة خارجية
-----------------------------------
يبدو أيضا أن بوش لم يسمع ما قاله سعود الفيصل بأن العراق غير اليابان وصدام حسين ليس هيروهيتو الإمبراطور الياباني آنئذ.
Labels: سياسة خارجية
2 Comments:
بوش واعوانه الحمقى أهلكوا العالم من أجل زيت أسود.. وحتى ولو سمع بوش ما قاله الفيصل فانه لن يفهم أبدا
رعاة البقر حثالة الأمم ومزبلة البشرية
منطقهم أعوج وكلامهم كذب ونفاق وهدفهم السيطرة على العالم
المشكلة أنهم لا يفرقون بين ربع سكان العالم و بين سكان أرخبيل اليابان
Post a Comment
<< Home