الطبعة الآسيوية لليابان من قوس الحرية والديمقراطية
بقلم : محمد إبراهيم الدسوقي
من المحتم التوقف مليا أمام الدعوة الموجهة من جانب رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي لتقارب ومشاركة آسيوية أوسع بين الديمقراطيات تضم الهند واليابان والولايات المتحدة واستراليا, ومبعث وقوع اختياره للدول الأربع يعود لاتفاقها واشتراكها في الايمان بقيم الديمقراطية, واحترام حقوق الإنسان والحرية والاعلاء من شأنها وقيمتها في معاملاتها الداخلية والخارجية.
دعوة آبي ترمي لبناء ما يصح توصيفه بتحالف الديمقراطية والذي سوف تستثني منه بلا شك الصين, المتهمة بانتهاك حقوق الإنسان, والتضييق علي الحريات العامة..الخ, ومع أن رئيس الوزراء الياباني أكد خلال جولته الآسيوية قبل أيام, أن الغرض خلف دعوته ليس محاصرة العملاق الصيني الذي تنامت قوته الاقتصادية والسياسية بشكل يقلق الكل إقليميا ودوليا, فإن الحقيقة الظاهرة أن ذلك هو هدفه المحوري, وأن واشنطن استغلت ما يربط البلدان الأربعة من وشائج ومصالح استراتيجية لتبني فكرة تحالفها الديمقراطي.
ومع عدم التشكيك في النيات, فإنه يلزم التساؤل عن السر وراء مغامرة اليابان بتوجيه دعوتها في هذا التوقيت علي وجه الخصوص.
المعيار الأصوب والأوفق لاستخلاص الحقائق والدلالات السياسية لدعوة طوكيو, يجب أن يبدأ من الطموح الياباني الغالب بالارتقاء لفئة القوي السياسية المؤثرة عالميا والمالكة لأدوات تجيز لها شرعية التدخل لتسوية النزاعات والصراعات الدولية بصورة مستقلة, تتحاشي بها الاتهام الجاهز بأنها تقتفي أثر السياسات الأمريكية عند تحديد موقفها من الأزمات الدولية الناشبة.
هذا الطموح المستحوذ علي وجدان وعقل القيادة اليابانية في السنوات الماضية, حمس طوكيو علي السير بلا وجل داخل مناطق ملغومة كانت تعد في العقلية الجماعية اليابانية من رابع المستحيلات, مثل الزج بقوات الدفاع الذاتي للعراق, والتهديد بمهاجمة جارتها كوريا الشمالية, اذا استشعرت أنها تشكل تهديدا لأمن اليابان القومي, وتمويل مشروع ممر السلام والازدهار في الضفة الغربية الهادف للتقريب بين الفلسطينيين والاسرائيليين وتحقيق السلام المفقود فيما بينهما.
اليابان كبلد رائد في المجال الاقتصادي العالمي وثاني أكبر وأهم محركاته, له كامل الحرية في نيل حقه المشروع في الموازنة بين قوته الاقتصادية والسياسية, وهذا ليس محل نقاش وسجال, بل ان موضع المناقشة يتصل بأن طوكيو أدخلت نفسها تحت عباءة خطط أمريكية برهنت الأحداث علي فشلها لسوء تخطيطها, ولدورانها جميعا في دائرة تستهدف فقط الابقاء علي الولايات المتحدة كقوة وحيدة صاحبة الامتياز الحصري لتدبير شئون العالم, وأن يكون من الي جوارها مجرد أصوات تردد ما ترغبه, بدون أن ينازعها أحد أو يرشدها لمواضع أخطائها المتكررة. ويتذكر رئيس الوزراء الياباني أن المبادرات الأمريكية الداعية للديمقراطية في أنحاء متفرقة من عالمنا بينها الشرق الأوسط خاصة, كان مصيرها الفشل المحتوم, والعبرة ماثلة في العراق وأفغانستان, وان كنا سنفترض أن نشر الديمقراطية ليس ما يصبو إليه تحالف الديمقراطيات المقترح, فإن كل ذي بصيرة سياسية ثاقبة يعلم أن غرضه تطويق الصين, وهو ما تنشده الولايات المتحدة.
واقعيا فإن هذا التوجه أبعد ما يكون عن الحصافة, لأن التشابك الحالي في المصالح الاقتصادية بين الولايات المتحدة واليابان والصين علي سبيل المثال, سيجعل من الاستحالة التضحية بها, فالأطراف الثلاثة شركاء تجاريون, ومردود حصار التنين الصيني أو محاولة تحجيمه سيضر الاقتصاد العالمي الذي باتت الصين مصنعه الكبير, ولا في مصلحة العلاقات الثنائية.
ثم ان أمن واستقرار آسيا سياسيا وعسكريا يتطلب اشراك الصين وليس استبعادها, وتذكر واشنطن أن الفضل يعزو لبكين في الخروج بنتائج إيجابية من الجولة الخامسة من المحادثات السداسية حول الأزمة النووية الكورية في فبراير الماضي لتفكيك البرنامج النووي لكوريا الشمالية, كذلك فإن الدول الأربع وإن كان يجمع ويقرب بينها حزمة من المبادئ النبيلة كالديمقراطية وحقوق الإنسان, فإن هناك تضاربا في مصالحها, فالهند أحد الأضلاع الثلاثة لحركة عدم الانحياز لا تطمح للتحول لتابع للولايات المتحدة ولسياساتها, ويحتم عليها صالحها أن تحتفظ بعلاقات طيبة وودية مع الجارة الصين, واليابان الحليف الأبرز لأمريكا في آسيا يختلف معها في علاج ملفات مهمة تخص القارة والعالم مثل, الحد من الانتشار النووي, ومكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري, ومصلحتها المستقبلية توجب عليها التقارب مع الصين وليس استفزازه ومعاداته في وقت لاتزال توجد قضايا خلافية بين البلدين متعلقة بما جري في الماضي. إجمالا فإن طرح آبي لفكرة قوس الحرية والديمقراطية لن ينظر إليه بصفته اجتهادا ذاتيا من طرف اليابان, وانما علي أنه بضاعة أمريكية راكدة أخفقت واشنطن في ترويجها فقررت أن تنيب
عنها من يعمل علي تسويقها لخدمة خططها ومشاريعها, وان كانت البلدان الأربعة تود تشكيل ثقل مواز للصين فإن التحالف المطروح ليس الصيغة الموفقة لفعل ذلك, لاسيما أنه غير واضح يقينا المرغوب من ورائه, كما أن عقلية الحصار والخنق لن تكون مجدية وفاعلة مع العملاق الصيني المتعين التعامل معه بذكاء وواقعية.
Desouky22@hotmail.com
عن الأهرام القاهرية
http://www.ahram.org.eg/Index.asp?CurFN=repo1.htm&DID=9326
1 - 9 سياسة خارجية
من المحتم التوقف مليا أمام الدعوة الموجهة من جانب رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي لتقارب ومشاركة آسيوية أوسع بين الديمقراطيات تضم الهند واليابان والولايات المتحدة واستراليا, ومبعث وقوع اختياره للدول الأربع يعود لاتفاقها واشتراكها في الايمان بقيم الديمقراطية, واحترام حقوق الإنسان والحرية والاعلاء من شأنها وقيمتها في معاملاتها الداخلية والخارجية.
دعوة آبي ترمي لبناء ما يصح توصيفه بتحالف الديمقراطية والذي سوف تستثني منه بلا شك الصين, المتهمة بانتهاك حقوق الإنسان, والتضييق علي الحريات العامة..الخ, ومع أن رئيس الوزراء الياباني أكد خلال جولته الآسيوية قبل أيام, أن الغرض خلف دعوته ليس محاصرة العملاق الصيني الذي تنامت قوته الاقتصادية والسياسية بشكل يقلق الكل إقليميا ودوليا, فإن الحقيقة الظاهرة أن ذلك هو هدفه المحوري, وأن واشنطن استغلت ما يربط البلدان الأربعة من وشائج ومصالح استراتيجية لتبني فكرة تحالفها الديمقراطي.
ومع عدم التشكيك في النيات, فإنه يلزم التساؤل عن السر وراء مغامرة اليابان بتوجيه دعوتها في هذا التوقيت علي وجه الخصوص.
المعيار الأصوب والأوفق لاستخلاص الحقائق والدلالات السياسية لدعوة طوكيو, يجب أن يبدأ من الطموح الياباني الغالب بالارتقاء لفئة القوي السياسية المؤثرة عالميا والمالكة لأدوات تجيز لها شرعية التدخل لتسوية النزاعات والصراعات الدولية بصورة مستقلة, تتحاشي بها الاتهام الجاهز بأنها تقتفي أثر السياسات الأمريكية عند تحديد موقفها من الأزمات الدولية الناشبة.
هذا الطموح المستحوذ علي وجدان وعقل القيادة اليابانية في السنوات الماضية, حمس طوكيو علي السير بلا وجل داخل مناطق ملغومة كانت تعد في العقلية الجماعية اليابانية من رابع المستحيلات, مثل الزج بقوات الدفاع الذاتي للعراق, والتهديد بمهاجمة جارتها كوريا الشمالية, اذا استشعرت أنها تشكل تهديدا لأمن اليابان القومي, وتمويل مشروع ممر السلام والازدهار في الضفة الغربية الهادف للتقريب بين الفلسطينيين والاسرائيليين وتحقيق السلام المفقود فيما بينهما.
اليابان كبلد رائد في المجال الاقتصادي العالمي وثاني أكبر وأهم محركاته, له كامل الحرية في نيل حقه المشروع في الموازنة بين قوته الاقتصادية والسياسية, وهذا ليس محل نقاش وسجال, بل ان موضع المناقشة يتصل بأن طوكيو أدخلت نفسها تحت عباءة خطط أمريكية برهنت الأحداث علي فشلها لسوء تخطيطها, ولدورانها جميعا في دائرة تستهدف فقط الابقاء علي الولايات المتحدة كقوة وحيدة صاحبة الامتياز الحصري لتدبير شئون العالم, وأن يكون من الي جوارها مجرد أصوات تردد ما ترغبه, بدون أن ينازعها أحد أو يرشدها لمواضع أخطائها المتكررة. ويتذكر رئيس الوزراء الياباني أن المبادرات الأمريكية الداعية للديمقراطية في أنحاء متفرقة من عالمنا بينها الشرق الأوسط خاصة, كان مصيرها الفشل المحتوم, والعبرة ماثلة في العراق وأفغانستان, وان كنا سنفترض أن نشر الديمقراطية ليس ما يصبو إليه تحالف الديمقراطيات المقترح, فإن كل ذي بصيرة سياسية ثاقبة يعلم أن غرضه تطويق الصين, وهو ما تنشده الولايات المتحدة.
واقعيا فإن هذا التوجه أبعد ما يكون عن الحصافة, لأن التشابك الحالي في المصالح الاقتصادية بين الولايات المتحدة واليابان والصين علي سبيل المثال, سيجعل من الاستحالة التضحية بها, فالأطراف الثلاثة شركاء تجاريون, ومردود حصار التنين الصيني أو محاولة تحجيمه سيضر الاقتصاد العالمي الذي باتت الصين مصنعه الكبير, ولا في مصلحة العلاقات الثنائية.
ثم ان أمن واستقرار آسيا سياسيا وعسكريا يتطلب اشراك الصين وليس استبعادها, وتذكر واشنطن أن الفضل يعزو لبكين في الخروج بنتائج إيجابية من الجولة الخامسة من المحادثات السداسية حول الأزمة النووية الكورية في فبراير الماضي لتفكيك البرنامج النووي لكوريا الشمالية, كذلك فإن الدول الأربع وإن كان يجمع ويقرب بينها حزمة من المبادئ النبيلة كالديمقراطية وحقوق الإنسان, فإن هناك تضاربا في مصالحها, فالهند أحد الأضلاع الثلاثة لحركة عدم الانحياز لا تطمح للتحول لتابع للولايات المتحدة ولسياساتها, ويحتم عليها صالحها أن تحتفظ بعلاقات طيبة وودية مع الجارة الصين, واليابان الحليف الأبرز لأمريكا في آسيا يختلف معها في علاج ملفات مهمة تخص القارة والعالم مثل, الحد من الانتشار النووي, ومكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري, ومصلحتها المستقبلية توجب عليها التقارب مع الصين وليس استفزازه ومعاداته في وقت لاتزال توجد قضايا خلافية بين البلدين متعلقة بما جري في الماضي. إجمالا فإن طرح آبي لفكرة قوس الحرية والديمقراطية لن ينظر إليه بصفته اجتهادا ذاتيا من طرف اليابان, وانما علي أنه بضاعة أمريكية راكدة أخفقت واشنطن في ترويجها فقررت أن تنيب
عنها من يعمل علي تسويقها لخدمة خططها ومشاريعها, وان كانت البلدان الأربعة تود تشكيل ثقل مواز للصين فإن التحالف المطروح ليس الصيغة الموفقة لفعل ذلك, لاسيما أنه غير واضح يقينا المرغوب من ورائه, كما أن عقلية الحصار والخنق لن تكون مجدية وفاعلة مع العملاق الصيني المتعين التعامل معه بذكاء وواقعية.
Desouky22@hotmail.com
عن الأهرام القاهرية
http://www.ahram.org.eg/Index.asp?CurFN=repo1.htm&DID=9326
1 - 9 سياسة خارجية
Labels: سياسة خارجية
0 Comments:
Post a Comment
<< Home