الخطاب الديني في الفكر الياباني سمير عبد الحميد نوح
" نظرة تاريخية"
تصدر السؤال عن "الدين" في اليابان أو عن الاعتقادات التي يؤمن بها اليابانيون، جملة الأسئلة التي تتكرر حول هذا البلد، خاصة في البلدان العربية، بينما لا يتبادر هذا السؤال إلى ذهن اليابانيين أنفسهم لأسباب هي التي سنتعرض لها بالبحث هنا .
....
ونحن نحتاج للتطرق إلى هذا الموضوع للعودة إلى حيث بدأت الحكايات أو الأساطير اليابانية القديمة أو إلى ما يطلق عليه باليابانية " الكوجيكي " أو مجموعة الحكايات القديمة التي تتضمن قصة خلق اليابان من منظور أسطوري ياباني . وأرجو أن يفهم استخدامي للتعبيرات والمصطلحات العربية بالقياس إلى بعض المعتقدات اليابانية، على إنه لغرض توضيح بعض الأفكار، لأني أعلم أنها قد تربك السامع أو القارئ أو تثير بعض الانتقادات بدعوى أن هذه التعبيرات، تخص الحديث عن الإسلام. لأن الهدف هنا هو نقل ما يعتقده الآخر،وليس بالضرورة الاتفاق معه، أو مطالبة الآخرين بقبوله. ظهر كتاب الكوجيكي، أو بعبارة أدق تم تجميع حكاياته سنة 712م.1 وهو يضم مجموعة حكايات أسطورية ، تهدف لإثبات الأصل السماوي أو الأصل الإلهي للجزر اليابانية ولأباطرتها2 فجزر اليابان – من هذا المنظور - هي فعل الآلهة ، بل هي بنات الآلهة، وكل ما عليها من جبال وأنهار وأشجار وغيرها يجب استلهامه في الحياة، وينبغي العيش وفق قوانين الفطرة في هذه الجزر أي وفق طبيعة الفعل الإلهي، ومن هنا فإن الوطن مقدس من المقدسات الدينية عند اليابانيين، ولا يوجد فصل بين الوطن وبين الإمبراطور – ولي الأمر - من ناحية القدسية، فالشعب يؤمن بأنه نزل أصلا من السماء، وهو في الأساس ابن الشمس.3
ومن خلال محتوى الكوجيكي نلاحظ أن العالم ينقسم إلى :
سماوي/علوي، وأرضي /سفلي. والسماوي يخلق الفرح والسعادة على الأرض، بينما تسبب الأرواح الشريرة في العالم السفلي الأذى والشر على الأرض، لهذا يجب التوسط بين هذه العوالم الثلاثة كي يسود الانسجام.4
كما نلاحظ أن كلمة " كامي " التي تظهر باستمرار في " الكوجيكي " يمكن أن تعني الله، ليس فقط الله الرحمن الرحيم الذي منه الخير، بل أيضا الله الجبار المنتقم الذي منه الشر، وقد أوجدوا وسائط إلهية حيث هناك إله للشؤم مثلا وغير ذلك، ومن هنا نلاحظ أن المعتقد الأكثر دلالة وشعبية من بين المعتقدات المتعددة التي يكتشفها قارئ الكوجيكي، هو تقديس الشمس بصفتها نبع الحياة و النور، ممثلة في شخصية ( الإلهة الكبيرة المهيمنة. "أما - تيرا - سو " ) ولهذا السبب يعتبر اليابانيون أن معبد " إيسيه " الكبير المخصص لعبادة هذه الإلهة هو " قدس الأقداس جميعا " ومن هنا ظهر الياباني كروزومي مُني تارا ( 1780-1850م ) بمذهب شنتوي جديد في عصر إيدو يركز على تقديس الشمس، يقول: "إذا تنفستم روح الشمس في كل حركة من حركات شهيقكم، وإذا ملأت بالتالي روح الشمس جسدكم فسوف فلن يكون انقطاع داخل روحكم .. "5 ويقول أيضا:" على الإنسان أن يستيقظ والدنيا لا تزال ظلاما ثم يتأمل شروق الشمس بإجلال واحترام ، على أن يكرس نفسه تماما لواجبه اليومي وذلك حتى غروب الشمس، في كل يوم تشرق الشمس، فاعمل في كل يوم، وسوف تنام بهدوء في كل ليل، وفي اليوم التالي تستطيع أن تتمتع من جديد بشروق الشمس ، هنا تكون حياة الإنسان، عند شروق الشمس يولد الإنسان وعند الغروب يموت ".6
على المستوى الرسمي أعيد الاهتمام بالكوجيكي في عهد الإمبراطور ميجي عام 1867م صاحب حركة الإصلاح أو الاستعادة كما يقال أحيان، فأراد أن يكون الكوجيكي ممثلا للروح اليابانية إلى جانب التكنولوجيا الأوربية المستوردة من الخارج، نظرا لوجود قلق من ضياع الروح اليابانية عندما قررت اليابان الانفتاح على العالم الخارجي .. وهكذا أخذوا يدرسون حكايات الكوجيكي ويعلمونها، فكانت تدرس داخل المنهج المدرسي قبل الجامعة، وكانوا يركزون على الحكايات المتعلقة بالإمبراطور بصفته إلها، أو بإحدى الشخصيات القريبة منه.
ورغم أن هذا الأمر انتهى فيما بعد، وإلى الآن، فلم تعد تدرج مثل هذه الحكايات داخل المناهج الدراسية، لكن يتم إيصال هذه الأشياء بطرق عديدة منها المسلسلات التلفزيونية والأفلام والمسرحيات والرسوم المتحركة وغيرها، ومن خلال الأسرة التي تلقن ذلك للأطفال بشكل عفوي تلقائي، كما يذكر محمد عضيمه مترجم الكوجيكي للعربية: " إنهم يعتبرون الكوجيكي أكثر من كتاب مقدس ، لا يرددونه في الميكرفونات ، بل ينثرون محتواه في الرياح مع الحياة ، دون إشارة إلى أنه من الكوجيكي ." 7
وهكذا تطورت المعتقدات الخاصة بعبادة الطبيعة وكل ما فيها إلى عقيدة ، شملت أيضا تقديس آلهة الأسلاف أو روح الأسلاف ولم يكن هناك تمييز بين الإله والبشر، وبين الطبيعة والآلهة ومن هنا تعد الشنتوية هي الدين الفطري في اليابان.
ثم كان دخول البوذية الذي يعد من أهم الأحداث التي انعطفت بتاريخ اليابان، ومنذ ذلك الحين لم يتغير اليابانيون فقط بل تغيرت جميع أشكال الثقافة باليابان وتطورت في اتجاه جديد8 مثلما كان دخول الكونفوشية اليابان في عهد الإمبراطور"أوجين " منعطفا في تاريخ الحضارة اليابانية9 وظل علماء الفلسفة اليابانيون يبجلون فلسفة كونفوشيوس التي شهدت قبولا وانتشارا إبان عصر أسرة طوكوكاوا في الفترة الوسيطة من تاريخ اليابان، ذلك لأن الكونفوشية الصينية ( التي دخلت ما بين القرنين السادس والتاسع الميلاديين ) هيمنت بفلسفتها على الفكر الياباني وانتشرت سلوكياتها في المجتمع10 والحقيقة أن البوذية جلبت معها أيضا بعضا من أفكار العقيدة الطاوية والكونفوشية.
ومن هنا صار الدين في اليابان ثقافة أكثر منه عقيدة وصارت الحياة الدينية في اليابان خصبة متنوعة، عبر تاريخ طويل من تداخلات عدد من التقاليد الدينية والقيم والمعتقدات والممارسات وبخاصة ما يعود منها إلى الشنتو الدين الرسمي (رغم كل شيء ) والذي أستمر متجذرا بعمق داخل التربة اليابانية رغم كل زلازل التاريخ.
ومن هنا يكون الحديث عن الشنتو كدين:
كلمة شنتو تعني طريق الكامي أو الإله، وهي المصطلح الجديد للتعبير عن الإيمان بالله بالمفهوم الياباني، وقد استخدمت الكلمة منذ القرن 12 الميلادي للتعبير عن هيئة أو جماعة تحمل عقائد دينية،وليس للشنتو مؤسس أو رسول مثل بوذا مثلا وليس لها كتاب مقدس، لكنها تؤكد على الإيمان بالكامي عن طريق الاتصال بعقل أو ذهن الكامي، والكامي مصطلح يطلق على كل الكائنات على أنها الآلهة، ولكل كامي شخصية خاصة به، وقدرة خاصة به، ورغم عدم وجود نصوص مقدسة، فهناك أماكن للعبادة يطلق عليها المزارات، والهدف الأساسي للمزار هو إيجاد مهبط للكامي أو مكان لعبادة الكامي، ولا تبنى المزارات لنشر العقيدة أو تعليمها، وفي المزار حجرة يوضع فيها الرمز المقدس للكامي، وهناك مكان لتقديم القرابين، والمرآة هي إحدى الرموز العامة في عقيدة الشنتو، وهي ترمز إلى العقل الصافي وهذا مأخوذ من أسطورة قديمة11 وهناك صولجان للتطهير ورايات بأشكال مختلفة، وهي في الغالب حلية وزينة، وهناك أشياء رمزية مثل المجن والترس والسيف، وهناك الحبل المقدس من القش، والمزار يقام في منطقة تتميز بما يحيطها من مظاهر الطبيعة، وتمثل البوابة المقدسة علامة من علامات المزار الرئيسية.
أما عناصر العبادة الرئيسية فهي الطهارة وتقديم القرابين والصلاة ثم الاحتفال الرمزي.
و قد يتساءل البعض: كيف انتقلت هذه العقيدة من جيل إلى جيل عبر آلاف السنين ؟ ويرد رجال الشنتو بأن الناس تصيدوا هذه العقيدة ولم يتعلموها، من خلال حاسة تقبل هذه الشعيرة والطقوس والمهرجانات الخاصة، وربما من خلال التعليم الذي يتعلق بالأخلاق والمثل .. ورغم كل ذلك كان الناس داخل حي معين أو دائرة سكانية معينة على دراية بأنهم مرتبطون معا ومحكومون دون شعور منهم بواسطة مزار الشنتو، وهذا يعني بالتالي كل شيء في الحياة اليومية،ومع هذا يمكن أن نلاحظ عبادة الأشجار، وعبادة الجبال، وهي من أقدم أنواع العبادات في اليابان التي دخلت البوذية أيضا.
أما فكرة العالم الآخر فهو في الشنتوية الوادي الأعلى في السماء مكان نزول الكامي الأعلى حيث حياة الخلود، أما عالم الأشباح الميتة والأرواح الشريرة النجسة فهو عالم الظلمة .12 والمؤمن بالشنتوية يرى أن هذا العالم الذي نعيش فيه يورث الخير الذي يجعل سعادة الإنسان متطورة ومستمرة، وقد ينالها في الآخرة. والشنتو لا تقول بفكرة تأصل الشر أو الخطيئة في الإنسان الذي جبل على الخير، وإذا ورد الشر على الإنسان فسببه الخداع والإغراء، ومصدره عالم الظلمة، والسبب هو الأرواح الشريرة، ومع هذا فالشر مؤقت وليس بدائم.
وتفسر عقيدة الشنتو الشر على أنه كل ما يربك الوضع الاجتماعي، ويجلب سوء الحظ ويعرقل عبادة الكامي، ولهذا يجب التمييز بين الخير والشر، والذي يميز بينهما هو روح الإنسان فهي وحدها التي يمكنها ذلك، وهذا يكون بمساعدة الكامي الحكم الصحيح، ويتم هذا عن طريق الاتصال بعقل الكامي، وهو ممكن حين توجد حالة من الاتحاد بين المقدس أي الكامي والإنسان، وحين يمكن لهذا الإنسان أن يقترب من الكامي بعقل مضيء، نقي ، طاهر أثناء العبادة . والموت في عقيدة الشنتو شر أو لعنة، والمصطلح الذي يعني الموت " كيه جاريه "13 يشير أيضا إلى معنى " أمر غير عادي " أو " شذوذ " أو " حظ سيئ " .
ويعتقد اليابانيون أن الموتى يستمرون في الحياة كأرواح ويزورون هذا العالم من حين لآخر، ويتقبلون ما يقدمه له أحفادهم،ومقابل ذلك يترحمون عليهم، ومن الجدير بالذكر أن دخول أجساد الموتى إلى المزار ممنوع، كما أنه ليس للكهنة الحق في الاشتراك في مراسم الدفن، لهذا أخذت البوذية في العصور المتأخرة هذا الأمر وطلبت حكومة طوكوكاوا 1603م – 1868م من الناس جميعا دفن موتاهم عن طريق كهنة البوذية .
الشنتو في العصر الحاضر :
يمكن القول بوضوح أن عقيدة الشنتو لا تزال باقية بين أفراد المجتمع الياباني من خلال منظمات أو وكالات تضم أعضاء من عبدة الكامي، وتدعو إلى ممارسات دينية معينة، فضلا عن قيامها بجمع التبرعات، حتى يتمكن غير القادرين من الحجاج المؤمنين بالشنتو إلى السفر إلى بعض المزارات، وحين أممت حكومة ميجي المزارات، صارت بعض منظمات الشنتو وبخاصة تلك التي كانت تقدس المزار الكبير في أوزومي فرقة مستقلة عرفت باسم منظمة طوائف الشنتو، وعلى كل حال فالمزارات تعد وسيلة لتطوير أو دعم العلاقة بين أهل الحي أو الدائرة السكانية، في سبيل دعم علاقتهم بعقيدة الكامي .
بعد الحرب العالمية الثانية ظهرت الحاجة إلى تدريب بعض الناس على أداء الشعائر والطقوس، وظهرت كتابات تهم الكهنة أنفسهم، وأخرى تهم الناس العاديين، بالإضافة إلى عقد الندوات والمحاضرات، كما أنشأت بعض المزارات دور حضانة ومدارس للتمريض وحتى ملاعب، وطبقا لإحصائية عام 1961 فقد كان هناك نحو مائة وثمانين دار حضانة داخل مزارات الشنتو، وارتفع العدد كثيرا هذه الأيام.14 ولا تقتصر المزارات هذه الأيام على تنظيم الاحتفالات والمهرجانات بل تسهم أيضا في دعم الشئون الاجتماعية والرفاه الاجتماعي والجمعيات الخيرية داخل الحي نفسه ، مما يؤكد على قوة عقيدة الإيمان بالكامي .
البوذيـة اليابانية:
يؤرخ رسميا لدخول البوذية إلى اليابان من شبه الجزيرة الكورية بعام 552م حين أرسل الملك بايكتشي بعثة إلى إمبراطور اليابان، ومعها بعض الهدايا من بينها تمثال بوذا وبعض نصوص السوترا، وهناك رواية في الحوليات اليابانية "نيهون جي " تشير إلى وصول تمثال بوذا إلى اليابان عام 545م وهناك إشارة أيضا إلى اختلاف مستشاري الإمبراطور في أمر قبول الدين الجديد، ثم الاتفاق على قبول فكرة بوذا كتجربة مؤقتة، وقد حدث خلاف بين الأسرات الحاكمة في اليابان نظرا للاعتقاد بأن الآلهة الوطنية غضبت، حين حول الإمبراطور سوجا قصره إلى معبد لبوذا، وتجلى هذا الغضب في شكل طاعون، فأحرق المعبد وألقي بتمثال بوذا في النهر، ورغم هذا التراجع وصلت عام 577م بعثة من كوريا، تلتها بعثة أخرى وشهد النصف الثاني من القرن السادس الميلادي تغلغل البوذية في اليابان، وطبقا للحوليات اليابانية، وجد في اليابان عام623م نحو 46 معبدا بوذيا و816 راهبا و569 راهبة .15
وأسهم الاتصال بالصين في انتشار البوذية بمدارسها المختلفة 16 كما كان دخول المدارس البوذية من الصين عاملا في دخول التعاليم الكونفوشية ومبادئها، وبخاصة تأكيد الانسجام والترابط ورفض كل ما يؤدي إلى خلخلة نظام البلاط ، وكان ذلك واضحا في دستور "شوتوكو " المسمى بدستور السبع عشرة مادة، وكان دستورا كونفوشيا بالدرجة الأولى، وقد جعل شوتوكو الأمور الدينية شأنا من شؤون البوذية ، بيمنا جعل الأمور الدنيوية شأنا من شؤون الكونفوشية، وأدرك أهمية الصين لتطوير الثقافة.
وهكذا تأسست مدينة نارا سنة 710م على شاكلة العاصمة الصينية " تشانك آن " وكانت أول عاصمة ثابتة تضم الحكومة وتضم المعابد والقصور، ووجدت البوذية قبولا بسبب ما قيل من أنها تحمى معتنقيها من الأمراض ، فكان الناس يرددون المواعظ البوذية ( نصوص السوترا المقدسة) دون فهم معانيها .. وكانت طقوس البوذية تمثل جزءا من احتفالات البلاط، ومع تأسيس المعابد المحلية صارت البوذية دينا وطنيا، وأقطعت الأراضي لبناء المعابد واعتبرت البوذية وسيلة لحماية الدولة، وبالتدريج ظهرت طوائف بوذية متعددة .17
انتقلت العاصمة من نارا إلى هييان مدينة كيوتو الحالية ( 794م ) وربما كان ذلك بسب تزايد نفوذ الطوائف البوذية في نارا، وتولى الإمبراطور( كامّو) تحديد عدد المعابد في المدينة التي أطلق عليها " هييان كيؤو " أي عاصمة السلام والهدوء، وهناك قام الراهب " سايتشو " بإذن رسمي ومنحة رسمية بتعيين حوالي مائة من اتباعه رهبانا على جبل هيئي القريب من العاصمة الجديدة، مما أثار غيرة طوائف البوذية في نارا18 وظهرت بوذية الصفوة أو بوذية الأسرار القاصرة على طائفة معينة، وظهرت فكرة المزج بين الشنتوية والبوذية أو فكرة الشنتوية الثنائية، خليط من الشنتو والبوذية، ولم يكن من العجيب أن يسيطر رهبان البوذية على مزارات الشنتو، ولم يكن هؤلاء يرون أي عجب في أن تمارس عقيدتان معا تحت سقف واحد ومن جانب أفراد بعينهم.
في حوالي سنة 1185م تمكنت أسرة ميناموتو من هزيمة معارضيها العسكريين، وبدأ عصر أطلق عليه عصر كاماكورا وعرفت حكومتهم بحكومة الشوجن أو حكومة كاماكورا العسكرية ، وفي عهدهم تطور نظام الإقطاع ونما كثيرا وتغيرت وجهات النظر تجاه البوذية نتيجة للمتغيرات السياسية والاجتماعية، ورأت حكومة كاماكورا ضرورة دفع البوذية إلى منحى جديد يؤكد على النجاة من الخطيئة، وكان هذا المنحى نابعا من تقلبات حياة المقاتلين أنفسهم ، وأصبحت البوذية لأول مرة دينا شعبيا، وتواكب نشر البوذية بين الشعب مع تأميمها، فكانت تقدم على أنها عقيدة يابانية خالصة، فقد طورت الطوائف البوذية العقيدة على مر السنين حتى صارت في عصر كاماكورا تمثل المشاعر اليابانية الصادقة، ومن هنا صعد نجم عقيدة الزن البوذية التي استوردت أساسا من الصين، وأثرت عقيدة الزن على جميع جوانب الحياة الأدبية والفنية والمعمارية وغيرها .. فتناول الشاي يعني لدى طائفة الزن إيجاد تجربة معينة من خلال التواجد في محيط الطبيعة من أجل فهم وإدراك المقدس أو التفكر في الإله والتدبر في خلقه، كما أن الفنجان يتحول من طين إلى فخار ثم إلى فنجان شاي، فكذا الإنسان يتحول إلى وعاء له قابلية استقبال التنوير، والبوذية وإدراك الطبيعة يكون عن طريق إدراك الذات، ولهذا فالزن تؤكد كثيرا على إدراك الذات للوصول إلى الخالق .
وقد تحولت عقيدة الزن إلى عقيدة للدولة، وظهر رهبان لهم شخصيات متباينة، أسهموا في نشر عقائدهم بين الناس، وأسسوا فرقا مختلفة، كان لها أثرها في المجتمع الياباني، إلا أنها أثرت سلبا على البوذية في العقد الأخير من القرن السادس عشر الميلادي، فحدث تدهور مؤقت للبوذية في ظل استتباب الحكم المركزي في " إيدو "، طوكيو حاليا.
وتم وضع البوذية وتحديدها ضمن قانون عرف باسم القوانين المحلية المتعلقة بالفرق والمعابد (نشر ما بين عام 1610-1620م ) وهكذا سيطرت الحكومة على المعابد المرتبطة بالبلاط، بينما كانت القوانين المشار إليها تقف ضد النصرانية ومن هنا لم يكن هناك ما يزاحم البوذية مدة قرنين ونصف، كما قاربت القوانين بين البوذية والشنتو، وطلبت من الناس تسجيل أنفسهم في أقرب معبد بوذي، بصرف النظر عن طوائفهم، كما حدت أياما للحضور الإجباري،وكان المعبد يحتفظ بسجلات أعضائه أو أتباعه، وأدى هذا إلى وجود علاقة بين المعبد وأتباعه والحكومة أيضا، وهكذا تحولت البوذية إلى أداة في يد الحكومة .
وهنا نشير إلى أن الكونفوشية كانت تتمتع بالحماية الرسمية لكنها لم تغتصب شيئا من البوذية لأنها لم تصبح أبدا دينا بالمفهوم الذي كانت عليه البوذية.
لكن البوذية فقدت مكانتها بعد الاهتمام بالشنتو لتعلن دينا للدولة ( عام 1868م ) فقد ظهر اتجاه داخل أسرة طوكوجاوا حين طبع ميتسوكوني ( ت 1700) كتابه داي نيهون شي أي "تاريخ اليابان" بالتركيز على كل ما هو ياباني، ولم يعارض الكونفوشية لكنه هدم ألف معبد بوذي في أقاليمه فقط، وانتشرت حركة الشنتو في القرنين 18 و 19 حتى حققت الشنتو مكانة سياسية في البلاد في ظل الاهتمام بكل ما هو ياباني، ولم يظهر أي بطل يدافع عنها كعقيدة .
حين بدأت حركة ميجي الإصلاحية وصدر دستور ميجي الشهير عام 1889م صدر قانون يطلق حرية الأديان وكان قد سبق صدوره بعام واحد، القضاء على المؤسسات البوذية وتجريد المعابد من الأوقاف، ثم تفريغ القصر الإمبراطوري من رموزها وشعاراتها، وتم نقل تماثيل البوذية من مزارات الشنتو وترافق هذا مع تأسيس الهيئة الحكومية للشنتو، وصدر مرسوم بقطع الصلات الرسمية بين البوذية والشنتو، ونادت الحكومة بجعل الشنتو دينا وطنيا .20
اضطر أتباع البوذية إلى إجراء تحديث أو تجديد ديني لمواجهة الظروف فأرسلوا بعثات إلى أوربا وأمريكا، وأعلنوا أن عقائدهم لا تتعارض مع عقائد النصرانية، رغم أنها تتفوق علها، وانضمت البوذية إلى الاتجاه الوطني، وهاجمت النصرانية باعتبارها عنصرا أجنبيا، وكان على البوذية خلال عصر ميجي أن تتوافق مع التغيير السريع جدا، الذي كان يسود عموم اليابان.
الكونفوشية وعقائد اليابانيين :
كما ذكرنا لم تكن الكونفوشية التي انتقلت تعاليمها إلى اليابان من الصين دينا أو عقيدة، وأكثر من هذا فإن الفلاسفة اليابانيين البارزين مثل " إينازو نيتوبيه " يرون أن البوشيدو استوحت فضائل الكونفوشية واعتمدتها في تكوينها المتعلق بالأخلاق، فإقرارها للمبادئ الأخلاقية الخمسة ما بين السيد والمسود، والحاكم والمحكوم، والأب والابن، والزوجين والأصدقاء، إنما هي جميعها تؤيد ما كانت تتمخض عنه الغريزة اليابانية قبل تسرب تعاليم كونفوشيوس إلى اليابان قادمة من الصين.21
ومن الجدير بالذكر أن الكونفوشية دخلت اليابان عن طريق كوريا في النصف الثاني من القرن الرابع الميلادي، ولم يكد القرن السادس ينتهي حتى كانت اليابان قد بدأت بإرسال وفود إلى الصين لدراسة ثقافتها، وكانوا ينظرون إلى الصين كنموذج ومثال على الحكم القائم على السلطة المركزية في يد الإمبراطور وكنموذج على تجسيد الفكر الذي يدعم هذا النظام، ويتجسد هذا النظام الفكري في الكونفوشية، وهكذا ومنذ عصر الأمي ر شوتوكو
(604م تقريبا) أخذت اليابان عن الصين القديمة مؤسساتها الاجتماعية والسياسية، وعوملت باحترام شديد على أنها طقوس، كما أخذت الجوانب الأخلاقية من أجل تطبيق طقوس الحياة، وكيف يمكن للإنسان أن يكون بطبعه أو بشكل تلقائي إنسانيا22.
تعايشت الكونفوشية مع النظام الإقطاعي الياباني ومع السامورائ كما تطورت لتشمل أيضا الطاوية المكملة لها، وفكرة الطريق التي تقول بها الطاوية كان لها أثر كبير على الثقافة اليابانية ، بالإضافة إلى دعم البعد الروحي أو الصوفي للبوشيدو، وقد تم التعبير عنها من خلال فن الخط والكتابة ( شودو )، وفن تنسيق الزهور (كادو) وفن المبارزة بالسيف (كيندو )، وفن المصارعة اليابانية (جودو) وبقية جوانب الثقافة اليابانية، وكان ذلك خلال عصر طوكوجاوا.
وظهرت البوشيدو أي طريق الفارس او السامورائ حين ظهر من جديد الشعور الأخلاقي للفرسان المحاربين، وبدأ هذا الشعور يتعمق عن طريق اتصال صفوة منهم بالفكر الكونفوشي خلال عصر الإقطاع 23 وقد ظهرت في اليابان مدارس للفكر الكونفوشي ساعدت على انتشارها بين اليابانيين ، مما جعل المجتمع الياباني ينقسم خلال فترة من تاريخه طبقا للنظام الكونفوشي إلى طبقات: أي السامورائ، والزراع، والحرفيون، والتجار.
وتمسكت المؤسسات اليابانية في ظل حكومة الإصلاح في العصر الحديث بمبادئ الكونفوشية الرامية إلى الحفاظ على العلاقات بين الكبير والصغير والرئيس والمرءوس، ورغم التغييرات التي حدثت فإن هناك ما يدل على أن قيم الكونفوشية لا تزال باقية داخل المجتمع الياباني ومتغلغلة بين أفراده.
النصرانية :
في سنة 1549م اتجه فرانسيس زافيير أكبر منصر في جزر الهند الشرقية إلى جزيرة كيوشو اليابانية، وفي نيته لقاء إمبراطور اليابان24 ووصلها في شهر أغسطس، وفي غضون سنة تنصر على يديه نحو 150مواطنا يابانيا، وبعد سنتين وشهرين تقريبا تنصر ألف ياباني، ثم ارتحل فرانسيس زافيير إلى كيوتو العاصمة، لكنه فشل في تحقيق أي نجاح، فعرج على ياماجوتشي غرب اليابان سنة 1551م، حيث تمكن من تنصير 600 ياباني، وفي سنة 1582م ذكرت التقارير التي أرسلت إلى روما أن عدد المتنصرين اليابانيين وصل نحو مائة وخمسين ألف ياباني على يد خمسة وسبعين عضوا نشطا من هيئة اليسوعيين، وكان الحكام المحليون يريدون الاستفادة من التجارة البرتغالية، ومن ثم تعاون التجار مع الإرساليات اليسوعية، وكان الهدف تنصير الحكام، وقد تحقق الهدف إلى حد ما في المدن الساحلية، بينما توقف التنصير في المدن الداخلية، ويقال بأنه خلال خمسين سنة تحول 300 ألف ياباني إلى النصرانية، وتحولت قرية نجاساكي التي كانت تعيش على الصيد إلى ميناء تجاري لليابان، تحت إمرة نصرانية سنة 1638م .
وفي ظل هذه الظروف بدأ الخوف يدب في قلوب رجال الدين البوذيين في اليابان من جراء المنافسة الخطيرة، بينما خشي الحكام العسكريون أن يصبح من تنصروا أكثر ولاء لبابا روما من ولائهم لوطنهم، وهكذا قام طوكوجاوا إياسو سنة 1614م بقمع النصرانية بشدة بعد أن قضى على معارضيه السياسيين، واستمر يعاقب أعداءه ويعاقب من تنصر من اليابانيين ، وكان يخيرهم بين العقاب وبين ترك النصرانية ، وتم القضاء على النصرانية، وقطعت اليابان علاقتها مع العالم الخارجي سنة 1639م إلا أن بعض النصارى أخفوا عقيدتهم سرا لمدة 235 سنة .
فتحت اليابان حدودها للعالم ، وهكذا وصل إلى كيوتو قس كاثوليكي عام 1859م ليعمل في سفارة فرنسا في إيدو ( حاليا طوكيو ) وفتحت الكنيسة الرومانية الكاثوليكية أبوابها في نجاساكي سنة 1865م، فزارها بعد شهر آلاف المتنصرين اليابانيين، وبدأت الكنيسة الكاثوليكية تنشط قليلا بسبب سياسة التسامح التي تتبعها الحكومة، ومما لا شك فيه أن الدستور الجديد في عهد ميجي الذي أعلن عن حرية الدين أفسح المجال للإرساليات التنصيرية للعمل بحرية، كما أن النصارى لعبوا دورا في دفع عجلة التعليم في اليابان، وعلى الأخص تعليم البنات، ويرى بعض الباحثين أن التسامح مع النصرانية كان في صالح اليابان، كما أن الحركة الاشتراكية في اليابان تدين بوجودها للنصرانية، فقد فكر كثير من النصارى في الاشتراكية كوسيلة لتطبيق المثاليات النصرانية، وصار هؤلاء بالتالي قادة للحركة العمالية الأولى في اليابان.
وهكذا وبالتدريج امتصت النصرانية شيئا من الديانات الأخرى في اليابان بصرف النظر عن المثال الصارخ للتوفيق بين المعتقدات الدينية المتعارضة في عقيدة الشنتو والنصرانية الذي نتج عنه ما يسمى بالنصرانية اليابانية ( نيهون تيكي كريستو كيو ) .25
وعلى كل حال من الملاحظ أن النصرانية لم تتمكن من مخاطبة اليابانيين خطابا ذا معنى في المجتمع المعاصر مما أدى بالتالي إلى تدجين النصرانية أو تحويلها إلى عقيدة محلية أو وطنية بعد أن احتفل اليابانيون سنة 1959 بذكرى مرور مائة عام على دخول النصرانية بلادهم .
وقد ظهرت طوائف نصرانية جديدة في اليابان من بينها طائفة الموحدين القائلة برفض التثليث والقول بالتوحيد، توحيد الرب وطائفة الطريق وهي تحاول التوفيق بين النصرانية والكونفوشية وحركة توحيد العالم في روح المسيح وغيرها 26 وظهرت طوائف شبيهة مثل طائفة إهوبا وغيرها .
وإذا كان عصر ميجي 1868م-1912م قد أسهم في انتشار النصرانية فإن سنوات الاحتلال الأمريكي لليابان بعد الحرب العالمية 1945م - 1952م قد أسهمت هي أيضا في انتشار النصرانية لكن يظل السؤال المهم هو إلى أي مدى قبلت النصرانية كحركة أخلاقية؟! وإلى أي مدى بقيت كديانة في قلوب وأذهان اليابانيين ؟ وهو سؤال حائر لا يزال قائما في الأذهان دون جواب .
ظهور ديانات جديدة وأثر الموروث الديني في اليابان:
انصرف اليابانيون في معظمهم عن الانتماء للشنتو أو البوذية أو حتى النصرانية كديانات تقليدية في اليابان، بينما اتجه من شعروا بالحاجة إلى الدين إلى المعتقدات الخرافية أو حتى إلى حركات شعبية لها طابع ديني، شكلت تجمعا أطلق عليه الديانات الجديدة، فكانت هذه الديانات تسد حاجة الياباني، وميله إلى تكوين تجمعات خاصة ، دون أن توجد فيه مشاعر جديدة تحث على البحث عن خالق الكون ، وقد تشكل مجلس الديانات الجديدة27 سنة 1952م للإشراف على الجانب الدعوي للديانات الجديدة ، وله مجلة صفحاتها مفتوحة لأقلام جميع الأعضاء.28 وتهتم الديانات الجديدة بالقيم الدنيوية أكثر من اهتمامها بالحياة بعد الموت، وتركز على مقولات تجذب الأفراد مثل تحسين الذات وتحقيق السعادة من خلال الإيمان أو حتى من خلال الممارسات السحرية، والديانات المعترف بها تصل بالمئات29 أو بالتحديد 171 كما تقرر الإحصائيات الرسمية.30
لكن يبدو أن إحياء الموروث الديني القديم كان ضرورة لسد احتياجات الحياة اليومية التي مثلت لدى اليابانيين أهمية كبيرة أكثر من حاجتهم للهيئات الدينية المختلفة، والموروث الديني والمعتقدات الدينية اكتسبت من الشنتوية والبوذية والطاوية والكونفوشية وغيرها من العقائد، والموروث الديني لا يقوم على عقيدة معينة أو تنظيم معين، ولا يهدف إلى كسب أتباع أو نشر عقيدة ما، بل هو عادات وتقاليد انتشرت بين الناس.
وهذا الموروث الشعبي بما يتضمنه من احتفالات وأعياد ومهرجانات وممارسات تتم على مدار العام، يؤكد ليس فقط على الأفكار بل على الشعائر والطقوس ذاتها، وهذا الموروث الديني كان عبر تاريخ اليابان ، مصدر الكثير من الحركات الدينية الجديدة.
فهناك موروث ديني يتعلق بالإله والروح والعقاب والثواب والمحرمات، وهناك شعائر وطقوس تمارس على مدار السنة مثل : الاحتفال بالعام الجديد، والاحتفال بيوم الاعتدال الربيعي، ويوم الاعتدال الخريفي، والاحتفال بمهرجان الزهور، أو مهرجان النجوم أو عيد الموتى وغيرها31. والحقيقة أن الموروث الديني يبدو واضحا في حياة اليابانيين المعاصرة، ويبدو هذا جليا في انصراف اليابانيين عن الديانات التقليدية وميلهم إلى الموروث الشعبي الخاص بالدين ، وقد ظهر هذا الموروث أحيانا في شكل الديانات الجديدة مثل ريوكاي، ومثل سوكا جاكّاي، وأوم شين ريكيو والأخيرة نحت منحى إرهابيا أدى بالحكومة إلى محاكمة زعمائها ِ32
الإسلام:
يأتي الآن الحديث عن الإسلام في اليابان، وربما يكون من المفيد اقتصار الحديث على الخطاب الديني الإسلامي من خلال مناقشة الخطاب الإسلامي الياباني - الياباني في اليابان، والخطاب الإسلامي غير الياباني في اليابان في تسلسل تاريخي يصل بنا إلى ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر .
يمكن القول بأن الصلات المبكرة بين اليابان والعالم الإسلامي ترجع إلى سنة 1871م، وتمثلت في زيارات متبادلة بين اليابانيين والأتراك في عهد السلطان عبد الحميد الثاني 33 وقد أشار السلطان عبد الحميد في مذكراته إلى قلق الروس من تنامي العلاقات التركية اليابانية.34
وقد اهتم الأعلام الأوربي بهذه المسألة، وأشارت صحيفة ماي نيتشي اليابانية الصادرة في الرابع من أغسطس 1893م إلى ذلك، وإلى إسلام بعض اليابانيين ممن وصلوا إلي تركيا. ويذكر أن الدولة العثمانية وسعت نشاط فكرة الخلافة الإسلامية إلى أن وصلت إلي الصين واليابان، ويذكر الجرجاوي صاحب الرحلة اليابانية أن السلطان أرسل سعادة برتو باشا أحد قادة الجيش العثماني إلي اليابان لما قامت الحروب الروسية اليابانية 1904-1905م.35 وعلى كل حال فقد أسلم خليل يامادا في تركيا ومعه شوتارا نودا بينما أسلم بون باتشيرو أريجا في الهند .
وبدا أن بعض اليابانيين يدخلون الإسلام لأسباب متعددة منها فرض الإسلام عليهم لأسباب سياسية، وتظل قصة إسلام ميتسو تارو ياماوكا أول حاج ياباني محل تساؤلات عدة36 وترتبط قصة سفره للحج بالداعية عبد الرشيد إبراهيم التاتاري الذي قدم إلى اليابان عام 1909م .
مؤتمر الأديان بين الحقيقة والخيال:
إذا كان الجرجاوي قد زار اليابان وكتب عن زيارته لها كتابا نشر في حينها وترجم إلى الأردية بعد صدوره بعام واحد، فإن البعض يحاول التشكيك في فكرة عقد مؤتمر الأديان، إلا أن القرائن تؤكد على أن مؤتمرا عقد في هذه الفترة التي شهدت نوعا من الانفتاح على الثقافات، فطبقا لما ذكره برتو باشا الذي بقي في بلاط الإمبراطور ميجى أثناء الحرب الروسية اليابانية فإن الإمبراطور ميجي طلب من السلطان عبد الحميد إرسال علماء مسلمين، يمكنهم شرح روح الإسلام وتنوير الشعب الياباني، وشعر السلطان بأن الشعب الياباني سيعتنق الإسلام إذا ما أُرسل إليهم دعاة مؤهلين ومخلصين لدين الله، وهكذا فمن الممكن أن يكون الإمبراطور قد طلب التعرف على الدين الإسلامي عن طريق الدعوة إلى عقد مؤتمر الأديان في طوكيو عام 1906م.
وطبقا لما جاء في مذكرات السلطان عبد الحميد فقد كان الإمبراطور يود التعرف أكثر على أسلوب الحياة الاجتماعية في الإسلام، وعلى مفهوم التضامن بين المسلمين، وعلى نظام الوقف الإسلامي المعمول به في الدول الإسلامية37 وذكر الباحث الكوري هي سو لي بأن الخليفة أرسل بعض الكتب لا الدعاة، بينما ذكر الجرجاوي بأن الخليفة أرسل مندوبا عنه حضر مؤتمر الأديان، وألقى فيه خطبة شرح فيها مبادئ الإسلام.38
في نفس الوقت أسس بعض الأشراف والنبلاء في اليابان جمعية باسم " الجمعية اليابانية للبحث في حقائق الأديان " وقرروا عقد مؤتمر للبحث في المعتقدات الدينية،وطبقا للباحث الكوري فإن الهدف الأساس من المؤتمر– طبقا للوثائق المتوفرة لديه – كان دراسة مبادئ الإسلام . كما نشرت جريدة ( تركمان جازيت ) الصادرة في " بهاتشي سراي " خبر الدعوة إلى المؤتمر، وذكرت الشيء نفسه جريدة إقدام الصادرة في استانبول وذكرت صحيفة تشيو جاي كوهو (بجيم قاهرية) المؤتمر وكذا صحيفة جابان تايمز.39
وهكذا يمكن القول بأن عبد الرشيد أفندي إبراهيم نشط في مجال الدعوة الإسلامية، ثم كان قدوم الجرجاوي المصري والدكتور محمد حسين الهندي، ومولوي بركة الله الهندي وواكب ذلك كله تأسيس بعض المساجد منها مسجد كوبيه عام 1935م ومسجد طوكيو عام 1938م الذي كان للداعية محمد عبد الحي قربان علي، الفضل الكبير في العمل على بنائه ، وقد أقام مدرسة ومطبعة بالحروف العربية، وأصدر مجلة شهرية بالتركية التتارية.
جمعيات يابانية لدراسة الإسلام ( قبل الحرب العالمية الثانية)
ظهرت قبل الحرب العالمية الثانية جمعيات تهدف إلى دراسة الإسلام من أهمها: الجمعية الإسلامية لليابان العظمى التي كان يرأسها رئيس وزراء اليابان سنجيورو هياشي ( مات 1943م ) ومعهد الثقافات الإسلامية دايتو بونا كاوكو إين، وقد تم حظر الجمعية الإسلامية قبيل الحرب العالمية الثانية ، وظهرت مكانها جمعية خاصة تسمى جمعية الدراسات الإسلامية، ورغم طابع هذه الجمعيات الديني إلا أن أعضائها في الأغلب كانوا من غير المسلمين، وقدم إلى اليابان بعض المسئولين والباحثين والعلماء من البلاد الإسلامية مثل حفيد سيد أحمد خان السير سيد مسعود الذي زار الجامعات وألقى بعض المحاضرات ، ومثل البروفسر نظير الحسن أحمد برلاس الدهلوي الذي كان يعلم الأردية ، ومثل ميان عبد العزيز رئيس الرابطة الإسلامية لعموم الهند الذي حضر حفل افتتاح مسجد كوبيه، وألقى عددا من المحاضرات، ومثل الشيخ حافظ وهبه وآخرين ممن حضروا حفل افتتاح مسجد طوكيو عام 1938م ، ونشط عدد من المسلمين اليابانيين في مجال التعريف بالإسلام مثل الحاج محمد نور تناكا إيبيه، وموموتارو اينوموتو، ومحمد عبد المنعم هوسوكاوا والحاج محمد صالح سوزوكي تاكيشي ، وصادق إيزومي، وصدرت أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم عام 1920م كما صدرت الترجمة الثانية عام 1930م.
ومن الملاحظ من خلال استقراء الأحداث والعلاقات المتشابكة أن اليابان لم تكن تهدف إلى التعرف على الإسلام كدين وعقيدة بقدر ما كانت تهدف إلى التعرف على شعوب العالم الإسلامي وعلى الحياة الاجتماعية في الإسلام، وعلى نظم الدولة الإسلامية الإدارية للاستفادة منها . وكان للظروف السياسية الداخلية في اليابان دور في قبول وجود الدعاة على أرضها أو رفضهم .40 ويذكر أنه في عام 1873م سنت الحكومة بعض القوانين محاولة التدخل في عقائد الناس في اليابان، فحدث تذمر أو ما أطلق عليه انتفاضة في مارس 1873م ، اشترك فيها عشرون ألفا من أتباع طائفة الشين مطالبين بالحرية الدينية ..
وقد شرح البروفسور برلاس الدعاية التي انتشرت في العالم الإسلامي عن انتشار الإسلام في اليابان بقوله: " .. هذه الأخبار عارية من الصحة فلا الإمبراطور أسلم ولا يوجد عشرون ألف ياباني مسلم، وليس لدى حكومة اليابان أي استعداد لبناء مسجد !!"41 ( مجلة معارف الهندية مجلد 35 عدد 5 سنة 1935 ) لكني أظن أن الرجل كان متشائما، لأن مسجد كوبيه أفتتح، وبني مسجد طوكيو بعد عدة سنوات .
الإسلام بعد الحرب العالمية الثانية:
بعد الحرب العالمية الثانية كفل الدستور الجديد حرية الدين لجميع اليابانيين، وسمح لكل ياباني بأن يعتقد ما يراه مناسبا من دين وأن يمارس الشعائر التي يؤمن بها، وهكذا تأسست جمعية مسلمي اليابان في فترة حصلت فيها معظم الدول الإسلامية في إفريقيا وآسيا على استقلالها، وفتحت لها سفارات في اليابان وبدأت اليابان تهتم بدراسة لغات الشعوب الإسلامية والتعرف على الدراسات الإسلامية من منابعها بشكل مباشر، فسافر عدد من الدارسين اليابانيين إلى البلدان الإسلامية، وقدمت الجامعات العربية والإسلامية المنح للطلاب اليابانيين ولعبت السفارات العربية والإسلامية دورا إيجابيا في دعم المسلمين اليابانيين .
نشطت جمعية مسلمي اليابان منذ تأسيسها 1952م أو 1953م وبعد ذلك تأسست المركز الإسلامي العالمي الذي تحول إلى المركز الإسلامي في اليابان عام 1974م، وله جهود مشكورة في مجال الدعوة، وهناك اتحاد للجمعيات الإسلامية في اليابان تأسس عام 1976م يضم عددا من الجمعيات الإسلامية42 وهناك اتحاد جمعيات الصداقة الإسلامية، وجاء تأسيس المعهد العربي الإسلامي في طوكيو بمثابة دفعة قوية للتعريف بالإسلام والثقافة الإسلامية.
ومن الجدير بالذكر أن الدارسين اليابانيين اهتموا بترجمة معاني القرآن الكريم فصدرت ترجمة شومي أوكاوا في فبراير 1950م وترجمة توشيهيكو إيزوتسو عام 1957 وترجمة أسامو إيكيدا وياسوناري بان سنة 1970 ثم توج ذلك بترجمة الحاج عمر ميتا التي صدرت طبعتها الأولى عام 1972م والثانية عام 1982م .
كما شهدت هذه الفترة تأسيس عدد كبير من المساجد مثل مسجد اوسكا عام 1977م ومسجد المؤتمر الإسلامي في شنجكو ومسجد المعهد العربي الإسلامي، وأعيد بناء المسجد الجامع في طوكيو ثم أسست مساجد صغيرة أو مصليات عديدة في طوكيو وما حولها وصل عددها أكثر من 30 مصلى .
وصدر عدد كبير من الكتب الإسلامية بعضها مترجم وبعضها مؤلف وظهرت مجلات إسلامية يحررها يابانيون وغير يابانيين، وبدأت اليابان تخطط لعقد ندوات ومؤتمرات، وتخطط لمشاريع بحثية انتهى بعضها ولا يزال الباقي في طور التنفيذ.
ونتوقف هنا لكي نحلل بأسلوب محايد الخطاب الديني الإسلامي في اليابان الذي يمكن تقسيمه تاريخيا إلى:
فترة البدايات
فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية.
فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
فترة ما قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر
فترة ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
1- فترة البدايات
شهدت فترة البدايات رغبة بعض المثقفين اليابانيين في التعرف على الإسلام من خلال قراءتهم لما كتبه الغربيون، وما ترجم من هذه الكتب إلى اللغة اليابانية، ولم تكن العلاقة المبكرة بين اليابان والعالم الإسلامي تهدف إلى التعرف على الإسلام كعقيدة، بقدر ما كانت تهدف إلى التعرف على حياة المسلمين أنفسهم في بلادهم، وقد تأثر بعض اليابانيين بالحياة الإسلامية في تركيا والهند، وأعلنوا إسلامهم ، لكنهم لم يعملوا على دعوة أبناء جلدتهم إلى الإسلام وإن كان أحمد أريجا الذي أسلم في الهند سعى إلى نشر ترجمة لمعاني القرآن الكريم باليابانية . ونشير هنا إلى أن المؤتمر الديني الذي عقد سنة 1906م لبحث موضوع الأديان وقيام الجرجاوي ومعه بعض المسلمين بالدعوة إلى الإسلام يحتاج إلى دراسة متعمقة . والحق أن هناك كتابات صدرت عن يابانيين تتعلق بالإسلام نشرت في السنة السابقة للمؤتمر وربما كانت إرهاصات لإثارة التساؤل الأكبر والرغبة في التعرف على الإسلام من أهل الإسلام أنفسهم.
أما الساسة اليابانيون فكانوا حريصين على التعرف على نظام الخلافة وقدر الخليفة في قلوب المسلمين43 كما أنهم كانوا يقدرون قوة العالم الإسلامي لو اتحدت أقطاره معا، ويتمنون لو أن الإسلام قدم إلى اليابان.44 لكنهم أشاروا إلى مسألة تعدد الزوجات كأمر غير مقبول وفهموه على انه من شروط الإسلام.45
ويرى عبد الرشيد إبراهيم أن النصارى سعوا لدى الحكومة اليابانية من اجل منع المسلمين من الدعوة إلى الإسلام في اليابان وبخاصة ابتداء من عام 1906م حين عقدوا اجتماعا بهذا الهدف إلا أن الحكومة اليابانية رفضت لأن الدستور يرى بأن لا تتدخل الحكومة في مسألة الدين ، ومن هنا بدأ النصارى أنفسهم في العمل ضد الإسلام، فأصدروا كتاب " محمد " فيه افتراءات على الإسلام46 ووزعوه في القرى والمدن مجانا ونشر المنصرون الأوربيون والروس كتبا أخرى من هذا القبيل.
حاول بعض المسلمين المقيمين في اليابان كشف الحقائق فقام اليوزباشي أحمد فضلي المصري الذي كان يقيم في بلدة نيبوري المجاورة لطوكيو ( آنذاك )47 مع عبد الرشيد إبراهيم بإلقاء ثلاث محاضرات بالإنجليزية ترجمها إلى اليابانية السيد / بابا المحرر في جريدة جابان تايمز، وقد كان لهذه المحاضرات صدى كبير لدى اليابانيين، ونشرت مقتطفات منها في الصحف اليابانية.
ويشيد عبد الرشيد بأحمد فضلي كأول من تكلم في أوساط المجتمع الياباني يبين حقائق الإسلام .
ظهرت في هذه الفترة المبكرة كتابات بأقلام يابانيين وغير يابانيين دافع بعضهم فيها عن الإسلام وعن نبي الإسلام ، ومن هؤلاء السيد ميهارا صديق و فضلي وعبد الرشيد ، وهكذا بدأ اليابانيون يتعودون على سماع كلمة الإسلام .
وتمنى بعضهم وهو غير مسلم أن يدفن إذا مات في مقابر المسلمين وكان ذلك قبل الحرب اليابانية الروسية48 ومن العجيب أن يغضب بعض اليابانيين حين خلع السلطان عبد الحميد وأدخل السجن ، فقد استنكروا أن يهان الخليفة بهذا الشكل ، وابدوا رغبتهم في تنظيم مظاهرات استنكار.49
وعلى كل حال شهدت فترة البدايات تلك اهتمام اليابانيين من غير المسلمين بنشر أبحاث مختصرة عن القرآن الكريم أساسا ثم عن مبادئ الإسلام ، من ذلك نجد :
نوكاريا راكؤو ( وينطق أيضا كاي تين ) الذي كتب بحثا في 28 صفحة نشره على حلقتين بعنوان:
( حول القرآن ) في 5 يونيو 1905م وفي 5 يوليو 1905م .
كما كتب فوجيتا كيسؤو أيضا سلسلة مقالات بعنوان ( عن القرآن ) نشرها تباعا في يناير مارس ومايو ويوليو من عام 1907م، وكان عدد صفحاتها تباعا: 5 ، 8 ، 15 ،3 صفحات . ثم كتب في اكتوبر من العام نفسه مقالا بعنوان: (طبعات وترجمات معاني القرآن الكريم ). وفي العام التالي نشر سلسلة مقالات بعنوان ( عن الكتاب المقدس في الإسلام ) ويقصد القرآن الكريم نشرها في شهور ابريل ويونيو ويوليو من عام 1908م .
وكان نوكاريا راكؤو سابق الذكر مهتما بالإسلام فنشر أيضا بحثا بعنوان ( عن المحمديين ويقصد عن المسلمين ) نشر الجزء الأول منه في الثاني من يناير عام 1905م ( 18 صفحة ) كما نشر الجزء الثاني في الخامس من يناير عام 1905م كما كتب أيضا بحثا بعنوان الأديان قبل محمد ، نشره في سبتمبر عام 1905م وكان قد نشر في مارس من نفس العام بحثا بعنوان محمد والمسيح وبوذا في عشر صفحات .
وهناك من اهتم أيضا بمقارنة الأديان مثل آوكي ريتسوهيكو الذي ترجم عن الألمانية كتاب البوذية والإسلام والنصرانية ( مؤلفه يدعى ((Farke,Robat ونشره في يوليو 1903م
ويبدو أن بعض المفكرين اليابانيين اهتموا بالإسلام ومقارنته بتعاليم الديانات الأخرى فقد نشر كاتو كين (بكاف فارسية) إيتشي كتابا في 390 صفحة مع مقدمة في 12 صفحة بعنوان التاريخ المقارن للديانات الشرقية والغربية نشره في نوفمبر من عام 1903م ، ثم كتب مقالة كانت على ما يبدو خلاصة لما ورد عن الإسلام في كتابه ، نشرها في بعنوان مغزى الإسلام في تاريخ ديانات العالم نشرها في إبريل عام 1907م ، ونشر مقالة أخرى في ثلاث صفحات فقط بعنوان الإسلام من وجهة نظر شنتوية وقد نشرها بعد سنوات عديدة أي سنة 1938م في يونيو .
وفي سنة 1910 صدر كتابا عن الإسلام، نشرته جمعية اليابان العظمى للحضارة:
(Greater Japan Association of Civilization)، ضمن سلسلة ديانات العالم .
وظهر بعد ذلك بسنوات قليلة من كتب عن عقائد الإسلام وهو تاكانو شؤوجي الذي نشر بحثا بعنوان عقائد الإسلام وفرائضه نشره في مارس عام 1916م ، وبعدها بسنتين كتب سئيكاوا ( بكاف فارسية ) كاميه كتابا بعنوان الإسلام في 262 صفحة مع مقدمة من أربع صفحات ومدخل من عشر صفحات وقد نشر كتابه في ابريل عام 1918م .
ومما لا شك فيه أن المسلمين من غير اليابانيين قد أسهموا بقدر ما لديهم من إمكانيات في التعريف بالإسلام فمولوي بركة الله الهندي الذي وصل طوكيو عام 1909م ليعمل أستاذا للغة الأردية في جامعة طوكيو للدراسات الأجنبية انضم إلى اليوزباشي المصري احمد فضلي وإلى عبد الرشيد إبراهيم التتاري التركي ، وأسهم فضلي في إصدار مجلة الاخوة الإسلامية التي أسسها مولوي بركة الله في طوكيو ما بين عام 1910 –501912 ومما يذكر أنه قد أسلم على يد بركة الله الكونت الياباني هاتانو وتسمى بحسن هاتانو وقد أسلم هاتانو وزوجته ووالد زوجته وأصدر هاتانو جريدة Gunjin و Islam بعد وقف الأخوة الإسلامية ، وفي سنة 1918 اصدر مجلة Islamic Brotherhood وهي مجلة شهرية مصورة بالإنجليزية.51
أما على المستوى الرسمي فقد دفعت الحكومة اليابانية شابا يدعى ياماوكا للدخول في الإسلام ، إذ كانت تريد إرساله إلى الحجاز فكان لا بد من أن يعلن إسلامه ، وقصة إسلامه تدل على أن الخطاب الإسلامي في اليابان لم يكن واضحا على الإطلاق حتى عام 1909م ، وهو العام الذي ذهب فيه يا ماوكا أو عمر ياماوكا للحج ، إلا أن صفوة المفكرين اليابانيين كان لديها تصور واضح عن الإسلام وتعاليمه ، وهنا نشير إلى نموذج واحد ، ونقصد المفكر والفيلسوف الياباني إينازو نيتوبيه الذي نظّر للبوشيدو روح اليابان التي تعد الدستور الأخلاقي لليابان ليرد على الاتهام الذي يوجه عادة لليابان ، بأنه لا دين لها على حد قوله ، فهو يرفض هذه المقولة رغم أنه اعتنق النصرانية !! .
وقد أشار في كتابه الذي كتبه عام 1905م إلى جوانب في الفكر الإسلامي ، كما اقتبس من القرآن الكريم ما يدل على فهم عميق للإسلام وتاريخه ،ومعرفة جيدة للسيرة النبوية.52
2- فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية:
كان الخطاب الإسلامي في اليابان في فترة ما قبل الحرب العالمية خطابا مؤثرا ، وربما لعبت الظروف السياسية دورا في هذا الأمر ، فقد هاجر عدد كبير من مسلمي تتارستان ، ووجدوا ترحيبا من المسئولين اليابانيين ، كما حرصت اليابان على كسب ود مسلمي الصين الذين كانوا يمثلون قوة لا يستهان بها.53 ، ومن ناحية أخرى كانت اليابان تنظر بعين العطف إلى الهند ، وسمحت للتجار الهنود وكان منهم كثير من المسلمين بالعمل في اليابان ، وهكذا أثمر تجمع التجار الهنود بناء مسجد كبير في ميناء كوبيه عام 1935م ، كما أثمر نشاط الجمعية التركية برئاسة قربان علي ، الذي انضم إليه عبد الرشيد إبراهيم بعد عودته إلى اليابان سنة 1933م بناء المسجد الجامع في العاصمة طوكيو عام 1938م ، واعترفت الحكومة اليابانية بالاسلام دينا بجانب النصرانية وغيرها ، وهكذا وكما يقول الباحث الكوري هي سو لي ( جميل ) صار المسلمون من أصل ياباني تحت ضمانة وحماية القانون .54
ومن يستقرئ أحداث تلك الفترة يدرك بأن الظروف كانت مواتية لانتشار الإسلام في اليابان، لكن اقتصار الدعوة على بضعة أشخاص دون توسع النشاط الدعوي من قبل المسلمين حال دون ذلك ،وحاول عبد الرشيد إبراهيم دعوة بعض العلماء ، فقدم إليه العالم القازاني موسى جار الله بيجي ، وجرى التخطيط لإصدار المجلات والكتب الإسلامية ، لكن الحرب العالمية الثانية منعت من وضع هذا للمخطط موضع التنفيذ .
كما أن ميان عبد العزيز رئيس الرابطة الإسلامية لعموم الهند استمر مدة عام تقريبا بعد افتتاح مسجد كوبيه يلقي محاضرات هنا وهناك عن مبادئ الإسلام ، وقد نشر محاضراته وآراءه عن وضع الإسلام في اليابان .55
ويلاحظ أن الخطاب الإسلامي في اليابان في تلك الفترة وجد أذنا صاغية من قبل السلطات اليابانية ، التي أعادت النظر في الصفحات المتعلقة بالمسلمين وبالأتراك في الكتب المدرسية اليابانية واعتمدت التصحيحات من قبل وزارة التربية والتعليم اليابانية .56
وشهدت الفترة ذاتها ظهور عدد من المسلمين اليابانيين المؤثرين في صنع القرار داخل اليابان ، ويأتي على رأسهم الحاج نور محمد تناكا إيبيه ثاني حاج ياباني بعد عمر ياماوكا ، وقد تتلمذ على يديه عدد من اليابانيين ، وكان يلتقي بقربان علي الذي كان يعمل في شركة خط سكة حديد منشوريا ، وتناكا إيبيه يعد – بحق رائد الدراسات الإسلامية في اليابان ، ويمكن أن نعده دون حرج أول داعية إسلامي ياباني ، فقد كان يدعو إلى الإسلام بالقلم وباللسان ، كتب في الصحف والمجلات ، كما ألقى العديد من المحاضرات ، وتناكا إيبيه يمثل بحق نوعية الخطاب الإسلامي الياباني الياباني ، وهو يختلف عن نوعية الخطاب الإسلامي الموجهة من قبل الدعاة الوافدين على اليابان ، وهذا لا يعني تفضيل الأول على الثاني أو العكس ، فكلاهما يكمل الآخر ويعضده ، وهناك مآخذ على الخطاب الإسلامي عند تناكا إبيه مردها إلى أن الرجل تثقف ثقافة إسلامية في الصين وقرأ عن الإسلام في الصين ثم عايش المسلمين الصينيين ، وترجم ما كتب بالصينيية ( ريوكاي كو ) عن الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد أن اقتنع تماما بالإسلام ، أعلن إسلامه في الصين وأراد أن يكمل فريضة الحج ، وبعد الحج وكتب عن رحلته ، بل ألقى عددا من المحاضرات عن تجربته في الحج ، أو عن حياة المسلمين اليومية وبخاصة في أيام الحج .57
ومن الملاحظ أن تناكا إيبيه في خطابه الإسلامي لم يتطرق إلى أمور كثيرة تتعلق بالعقيدة ، كما لم يهتم بتعلم اللغة العربية لغة القرآن ، وإن كان قد أشار إلى تأثره الشديد وبكائه حين كان يستمع إلى صوت أحد الشيوخ يرتل القرآن الكريم ، بل كلما كان يسمع صوت المؤذن ينادي للصلاة ، وقد نقل تناكا إبيه كتاب السيرة النبوية عن الصينية وترجم الكثير مما يتعلق بالقرآن الكريم عن الصينية .
هناك من اليابانيين من تأثر بالسيرة النبوية ، ولم يكن مسلما إلا أنه أحب الرسول حبا جما لدرجة أنه كان يحدث أصدقاءه بأنه رآه في المنام .. وظن هؤلاء أن أعراض الجنون بدأت تظهر عليه ، وأقصد هنا المفكر الياباني رائد فكرة آسيا الموحدة أوكاوا شوميه ، وهو أول من ترجم معاني القرآن الكريم إلى اليابانية معلنا أن من لا يعرف العربية يصعب عليه فهم هذا الكتاب المقدس .58
وهكذا نلاحظ وجود نمط آخر من الخطاب الإسلامي في تلك الفترة كان صادرا عن ياباني غير مسلم ، والحقيقة أنه يصعب علينا الآن حصر الكتابات التي ظهرت في تلك الفترة والتي تناولت الفكر الديني الإسلامي في اليابان ، ونذكر هنا بعضها حتى نوضح اتجاهات الخطاب الديني الإسلامي الصادر من اليابانيين غير المسلمين .
كتب المفكر الياباني أوكوبو كؤوجي أبحاثا متنوعة تلقى في مجملها الضوء على تعاليم الإسلام، وكان أوكوبو يكتب باليابانية والفرنسية والإنجليزية ، ففي عام 1934م كتب بحثا في 55 صفحة بعنوان الإسلام ، وكتب بعدها بحثا عن الإسلام بالاشتراك مع كوباياشي هاجيميه باللغة الفرنسية ، وفي يناير عام 1939م كتب بالإنجليزية عن الشرائع والعقائد الإسلامية The Doctrines of Islam وفي مايو كتب بحثا بعنوان :
" عن المحمديين "، وكتب في يونيو بالاشتراك مع كوباياشي هاجيميه بحثا بعنوان : "قراءات إسلامية " ، وفي سبتمبر من العام التالي كتب بالفرنسية مقالا بعنوان:
Jeune de Musleman في سبع صفحات ، وفي ديسمبر من عام 1941م كتب بحثا في 54 صفحة بعنوان " مبادئ الإسلام والحالة الحاضرة "، والحقيقة أن أوكوبو كؤوجي استمر يكتب عن الإسلام بعد الحرب العالمية الثانية ، ففي ديسمبر عام 1950م نشر بالاشتراك مع كا جا ميشيما هيرؤوكي كتابا في 303 صفحة بعنوان "دراسات عن القرآن الكريم ".
أما كوباياشي هاجيميه سابق الذكر فقد كتب " مذكرات عن رمضان " في يناير 1938م وكتب فيما بعد سلسلة مقالات بعنوان التاريخ الإسلامي نشرت في يونيو 1939م وفي أغسطس من العام نفسه وفي مارس من عام 1940م ، وفي إبريل من عام 1942م نشر بحثا في نحو 40 صفحة بعنوان القرآن أو السيف ، واستمر في نشر سلسلة مقالات عن الإسلام حتى عام 1960م .
وهكذا وجد مفكرون بدؤوا كتاباتهم عن الإسلام في تلك الفترة واستمروا إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية مثل سودا ماساتسوجو بجيم قاهرية الذي كتب سنة 1937 م مقالا بعنوان " عن الإسلام " أو حول الإسلام ، كما كتب أيضا سلسلة مقالات سنة 1955 بعنوان " حكاية الإسلام ".
وقام البعض الآخر بكتابة مراجعات لكتب الغربيين عن الإسلام ومنهم تاساكا كؤودو الذي كتب مراجعة لكتاب أربري الإسلام وديانات الشرق القديم ونشرت هذه المراجعة في اكتوبر 1941م .
ومن العجيب أن يهتم بعض المفكرين اليابانيين بالمذاهب التي نسبت نفسها إلى الإسلام والإسلام منها براء ، مثل البهائية ، فقد كتب نايتو تشيشو بحثا قصيرا بعنوان " المذهب البهائي ومؤسسه" نشر في يناير 1929م ، كما كتب هو نفسه سلسلة من المقالات منها " حركات الصلاة في الإسلام ( يوليو 1931م ) مدخل إلى الإسلام ( يوليو 1938م ) ، وظهور المذاهب وتطورها في الإسلام أكتوبر 1938م ، والثقافة الإسلامية سبتمبر 1939م، ومقال بعنوان "الصلاة الإسلامية" نشر في فترة متأخرة أي في مارس 1966م ، كما كتب ماتسوميا شون إتشئيرو مقالة بعنوان البهائية نشرت في ديسمبر 1930م.
وباختصار ركز معظم اليابانيين في تلك الفترة على شرح مبادئ الإسلام بشكل عام ، فقد كتب نوكئيوتشي ناجايوشي : " مبادئ الإسلام في سلسلة من المقالات نشرت في مايو 1939 وفي أوائل فبراير ومنتصف فبراير 1941م ، وكتب فوجيو جونجي : العبادة ، والواجبات الدينية في الإسلام إبريل 1939م وكتب ميتاني كؤورو عن الشروط الإسلامية للطعام فبراير 1940 ،وكتب ميتسو هاشي فوجيو " ماء الطهارة الذي يستخدمه المسلمون يوليو 1942، واهتم البعض الآخر بالكتابة عن رأي غير المسلمين في الإسلام فكتب هاراميتشي تسوجو " وجهات نظر روسية عن الإسلام ونشر بحثه في أول أكتوبر من عام 1939م وترجم ساكي اكئيو كتاب C H Bcker عن الألمانية النصرانية والإسلام ونشره عام 1939م .
وهناك كتابات مجهولة المؤلف ، ربما صدرت بهدف الدعاية لمذهب ما أو كانت مترجمة عن لغة ما ، ومنها " البهائية دين الحب " ومنها "المذاهب والمساجد والفرق في الإسلام" أغسطس 1938م و، منها "الحج في الإسلام" فبراير 1939م ومنها "المفهوم المعاصر للإسلام" مايو 1939م ومنها "المفهوم الإسلامي للحياة بعد الموت" ديسمبر 1939م وغيرها.59
لقد اهتم اليابانيون في مرحلة البدايات بالقرآن الكريم واستمر هذا الاهتمام ، بل زاد كثيرا فصدرت ترجمة أريجا ( بجيم قاهرية) ( احمد ) مع تاكاهاشي جورؤو ( بجيم قاهرية) في يونيو 1938م في 878 صفحة مع 8 صفحات مقدمة ، وصدرت سلسلة مقالات تضمنت ترجمات لمعاني آيات من القرآن وشرحا لبعضها ، وقد قام بهذا كل من ساكاموتو كئين رينشي ، و أوكوبو كوجي ، وكوباياشي هاجيميه ( مقالات مختصرة نشرت في يوليو 1938 ونوفمبر 1938م ويناير 1939 ) وقام أوكوبو كؤوجي بترجمة سلسلة من المقالات صدرت بالألمانية بعنوان :
Koran der Japanischen Ubersetzung في مايو من عام 1941م ، وفي فبراير وإبريل وسبتمبر من عام 1942م ، وفي ويوليو وسبتمبر من عام 1942م ، وفي يناير ومارس ويونيو وسبتمبر وديسمبر من عام 1944م .
وكتب ساكوما تيجيئيرو مقالا بعنوان " تحليل " أو شرح القرآن فبراير 1936م .
واهتم ايكيدا تاداشي بالكتابة عن صحيح البخاري وصحيح مسلم فنشر مقالا عن الصحيحين في سبتمبر 1939م .
وظهرت كتابات مجهولة المؤلف أيضا عن القرآن الكريم والحديث النبوي منها : حول الكتاب المقدس في الإسلام في أغسطس 1938م ، وفصول من الحديث النبوي يوليو 1939م والحديث النبوي سبتمبر 1940 وهي مقالات قصيرة في أربع أو خمس صفحات .
وإذا ما انتقلنا إلى الاهتمام بالسيرة النبوية لاحظنا الاهتمام بالترجمة عن اللغات الأخرى فقد سبق ذكر تناكا ايبيه وترجمته لموسوعة السيرة النبوية التي كتبها ريو كايكو بالصينية 1941م وقد ترجمت الجمعية الإسلامية اليابانية عام 1934م كتابا لعبد المجيد قريشي في السيرة النبوية عن اللغة الأردية بعنوان هادي عالم .
أما فورونو كئيوتو فقد ترجم كتاب Dermenghem,Emile حياة محمد
La Vie de Mahammet عن الفرنسية وذلك في ديسمبر 1940م .
كما أصدرت جمعية اليابان الإسلامية أيضا ملخص سيرة محمد بقلم أريجا ( احمد ) ونيشيموتو في إبريل 1935م ، وكتب هيروشي تطور الدراسات الخاصة بسيرة محمد في يوليو 1941م ، وكتب أوكازوا شوميه مقالا بعنوان الإسلام ومؤسسه نشر في مارس 1923م بينما كتب اوكودائي را شؤوإتشي مقالة صغيرة بعنوان حياة النبي محمد في يوليو 1938م ، وكتب اوكاجيما سئيتا رؤو مغزى ظهور الإسلام في أغسطس 1942م ، وكتب كوسانو هاتشيرؤو " مبدأ محمد : القرآن أو السيف في نوفمبر 1931م .
وكتب نايتؤو تشيشو محمد المؤسس في أغسطس 1938م وكتب نوجوتشي (بجيم قاهرية) زينشيرو حياة محمد في يناير 1930م .
وهكذا نلاحظ الثراء الكبير الذي شهدته هذه الفترة سواء في الكتابات المتعلقة بالقرآن الكريم والسيرة النبوية أو المتعلقة بالفكر الإسلامي ككل، وهذا يدل على أن الخطاب الديني الإسلامي كان متنوعا طبقا لمصادره التي تعددت داخل الساحة اليابانية التي كانت تعد عدتها لخوض حرب ، سيكون فيها للمسلمين – على الأقل من وجهة نظر المفكرين اليابانيين – دور يلعبونه، وبالتالي يجب فهم عقيدة هؤلاء المسلمين.
ومن الملاحظ أيضا أن الخطاب الديني الإسلامي لم يمض على وتيرة واحدة ، فتناكا إيبيه أو نور محمد تناكا أسلم في الصين وتأثر بمسلمي الصين ، وكانت صورة الإسلام في ذهنه هي صورة الإسلام في المناطق الصينية التي عاش فيها .
بينما حاول أرباب بعض المذاهب مثل البهائية إسماع أصواتهم لليابانيين ، وحاول بعض المنصرين الدخول في المجال نفسه عن طريق تقديم بعض الكتب التي يمكن ترجمتها ، وتقدم تصور الغرب عن الإسلام ، ووسط كل هذه الأصوات كان هناك من يحاول التركيز على إسماع صوت القرآن عن طريق ترجمة معانية ، أو من يكتب أو يترجم كتبا عن السيرة النبوية لتقديم نموذج مثالي لحياة المسلم .
صورة متداخلة للغاية ، ويزيد في تداخلها تغلب العقائد التراثية لدي اليابانيين جميعا ، دون تمييز بين نصراني أو مسلم أو بوذي أو شنتوي أو كونفوشي ... ففكرة الإله لا تزال غير واضحة في الأذهان ، وفكرة البعث يتم تقديمها بأشكال مختلفة قد لا تتفق مع عقيدة الإسلام ، ولا حتى مع ما يراه النصارى ، ومن هنا كانت محاولات الربط والخلط والتداخل الذي يصعب معها الفصل بين المعتقدات لدى الشعب الياباني . . فكانت هناك حاجة ماسة وضرورية إلى وجود عدد ممن يستطيعون تقديم الإسلام في اليابان في صورة مبسطة وواضحة ، والقرائن تؤكد على أن هذا الأمر لم يتيسر على الأقل في تلك الفترة ، أي فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية .
3 – فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية:
بعد استسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية نتيجة استخدام أمريكا لأسلحة الدمار الشامل ، تغيرت الظروف وتعطلت المؤسسات والمنظمات ومراكز البحوث التي كانت تعمل على التعريف بالإسلام أو نشره ، وتوقف صدور المطبوعات التي تتعلق بالثقافة الإسلامية والفكر الإسلامي ، ذلك لأن أهمية الإسلام عند السياسيين والباحثين قد انتهت بعد فشل تحقيق حلم آسيا الكبرى ، وهكذا توقف النشاط الإسلامي حتى إعلان الاستقلال60 .
بعد أن استعادت اليابان حقها في إدارة شؤونها سنة 1951م أسست جماعة من مسلمي اليابان جمعية لهم عام 1952م ذلك لأن الدستور الجديد كفل حرية الأديان لجميع اليابانيين، وسافر عدد من اليابانيين السلمين وغيرهم للدراسة في البلدان العربية والإسلامية، وظهر دعاة يابانيون مثل : صادق إيزومي ، والحاج عمر ميتا ، والحاج عبد الكريم سايتو ، والشيخ أبو بكر موريموتو وغيرهم ممن عملوا بالدعوة ، وظهرت تنظيمات أخرى منها المركز الإسلامي العالمي الذي تأسس في مارس عام 1966م ليشارك في الدعوة من خلاله عدد من المقيمين في اليابان من مختلف البلدان الإسلامية من طلاب
وديبلوماسيين 61 وقد تحول فيما بعد وبالتحديد سنة 1974م إلى المركز الإسلامي في اليابان.
ويمكن القول بأن هذه الفترة تشبه فترة البدايات ، وكأن الخطاب الإسلامي في اليابان يبدأ من جديد ، من خلال اهتمام اليابانيين باللغة العربية والاهتمام بشئون البلدان العربية والإسلامية ، والسعي إلى التجارة مع هذه البلدان ، فضلا عن فتح سفارات للبلدان العربية والإسلامية في اليابان.
وكان الخطاب الإسلامي صادرا من دعاة عاصروا الفترة السابقة مثل صادق ايمايزومي الذي أسلم على يديه يوسف ايموري ، وصادق كاتاياما ، والأول يعد من أفضل الباحثين في اللغة العربية في اليابان .
والحاج عمر ميتا هو أيضا من المنتمين للفترة السابقة ، لكنه نشط بعد الحرب العالمية ونشر كتابه "من أجل فهم الإسلام" و"مدخل إلى الإسلام " ونشر ترجمة كتاب "حياة الصحابة" عن الأردية وبدأ ترجمة معاني القرآن الكريم .
وهناك من أسلم في هذه الفترة مثل الحاج عبد الكريم سايتو عام 1957م ومن خلال عمله أستاذا بجامعة تاكشوك أدى خدمة جليلة للإسلام ولمسلمي اليابان .
ومما يلاحظ في هذه الفترة أن الخطاب الإسلامي الصادر عن المقيمين الوافدين على اليابان كان ضعيفا ، يريد أن يحدد مسارات انطلاقه ، من خلال عقد ندوات ، أو إصدار مطبوعات أو المشاركة في العمل الإسلامي مع إخوانهم من مسلمي اليابان.
4- فترة ما قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر:
المقصود بها الفترة التي تبدأ تقريبا من سنة 1971م ، وهي السنة التي زار فيها المرحوم " جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز" اليابان ، وهي فترة مهمة ، وتحتاج إلى قليل من التفصيل ، لأنها شهدت ارتفاع صوت الخطاب الديني الإسلامي عبر مكبرات صوت متنوعة ، وربما متباينة أحيانا ، فبينما استمر نشاط جمعية مسلمي اليابان ضمن برنامج محدد يتلخص في إصدار مطبوعات باليابانية ، وعقد ندوات ، وتنظيم فصول تعليم اللغة العربية، وإرسال الطلاب اليابانيين المسلمين إلى الخارج ، والرد على أسئلة تتعلق بالإسلام ، ومساعدة الشركات التي بدأت مكاتبها تنتشر في العالم العربي والإسلامي ، فقد قام المركز الإسلامي الذي كان يعرف قبلا بالمركز العالمي الإسلامي بالحصول على اعتراف الحكومة اليابانية به كمنظمة دينية قانونية عام 1980م ، وكان خطابه الديني يركز على إعطاء فكرة صحيحة عن الإسلام بالطرق الميسرة من عقد ندوات لتدريس العربية ، وترجمة وطباعة كتب عن تعاليم الإسلام 62 ونشط المركز كثيرا ، وبخاصة بعد تأسيس مبناه الجديد ، وتزويده بكوادر نشطه عن طريق دعم من رابطة العالم الإسلامي ، ووزارة الأوقاف الكويتية ، ودار الإفتاء بالسعودية ووزارة الشئون الإسلامية في الإمارات وغيرها .
لا شك أن الظروف الاقتصادية لعبت دورا مهما في دعم الخطاب الإسلامي في اليابان، كما كانت زيارة الملك فيصل لليابان ذات أثر عظيم ، من الناحية المعنوية والمادية ،إذ زاد الاهتمام بدعم العمل الدعوي المنظم ، فقد كانت نظرته الثاقبة تدرك أن الظروف مهيأة للتعريف بالإسلام ،في وقت اشتد فيه حرص اليابان على التعامل مع بلدان العالم الإسلامي المنتجة للنفط ، ومن هنا سعت أيضا للتعرف على الإسلام ، وهكذا أرسلت المملكة العربية السعودية إلى اليابان عددا من الدعاة وقامت بدعم عدد آخر .
في أعقاب ذلك تأسست جمعية الثقافة الإسلامية في اليابان التي كانت تضم مسلمين وغير مسلمين ، وأسست شركة لنشر مطبوعاتها ، ثم شهدت مدينة طوكيو العاصمة تأسيس المؤتمر الإسلامي الياباني الذي بدأ رئيسه الطبيب شوكت فوتاكي يدعو إلى الإسلام من خلال عياداته الطبية ، مما أسهم في تحول عدد كبير جدا من اليابانيين إلى الإسلام63، وتأسست جمعية باسم مؤسسة الفاتحة ، وبدأت جمعيات ومؤسسات إسلامية في الظهور ، وربما كان ذلك بفعل الرخاء الاقتصادي في البلدان الإسلامية ، وشكلت هذه الجمعيات اتحادا عرف باسم اتحاد الجمعيات الإسلامية في اليابان وذلك في وسط عام 1976م .
والحقيقة أن أسماء كثيرة ظهرت لمؤسسات وجمعيات ، كانت لها أهداف أخرى ، فقد سعت بعض الدول العربية إلى تأسيس مراكز ثقافية ، أو إرسال مبعوثين إلى اليابان بهدف الدعاية السياسية ليس إلا .!64
وكان الأمر الذي لفت أنظار اليابانيين وغيرهم هو تأسيس المعهد العربي الإسلامي في طوكيو عام 1982م ، ثم افتتاح المبنى الجديد للمركز الإسلامي وبدء نشاطاته المتعددة ، وكان من المؤسف أن تخبو أضواء بقية الشموع تدريجيا، وتظل بعض الجمعيات تعمل بمفردها مثل جمعية الجالية التركية والجمعية الإندونيسية ، والجمعيات التي أسسها أبناء الجاليات الهندية والباكستانية والبنغالية .
إلا أن أهم ما يميز هذه الفترة هو بدء تشكيل ما يمكن أن نطلق عليه التجمعات الإسلامية حول طوكيو ، وظهور أعداد كبيرة من المطبوعات الإسلامية ، وظهور بعض المجلات الإسلامية اليابانية الصادرة عن مؤسسات أو عن أفراد ، وازدهار الدراسات العربية والإسلامية على يد اليابانيين المسلمين وغير المسلمين65 ، وزيادة تأثير مجموعة الدعاة المنتمين لجماعة التبليغ ، وزيادة أنشطة جمعية الصداقة السعودية اليابانية وجمعية الصداقة الكويتية اليابانية ، مقابل تراجع نشاط المؤتمر الإسلامي الياباني الذي كان يرأسه الدكتور شوكت فوتاكي66 وكذلك المكاتب الثقافية العربية التي أغلقت أو توقف نشاطها تماما.
لكن يلاحظ أن الخطاب الإسلامي في هذه الفترة قد اختلطت فيه أصوات كثيرة ، لا تنتمي إليه بل تدعي ذلك مثل فرقة الأموتو اليابانية التي تمكن قادتها من زيارة بعض البلدان الإسلامية بل وأداء العمرة.67
ومن ناحية أخرى كانت هناك أحداث ألمت بالعالم الإسلامي أثرت بشكل أو بآخر سلبا أو إيجابا على نظرة الشعب الياباني للإسلام والمسلمين ، ومنها الحرب العراقية الإيرانية ، التي أثارت الباحثين اليابانيين ، فاصدروا عددا من البحوث ، وكتبوا عددا من المقالات ، محاولين تأصيل الصراع المذهبي بين الجارتين المسلمتين ، بل وتجذير هذا الصراع ، والحفر والتنبيش في دروب التاريخ الإسلامي عن صراعات شبيهة .. ثم كان غزو صدام حسين للكويت ، فأثيرت تساؤلات عديدة ، بل ربط بعض أفراد الشعب الياباني بين صدام والإسلام .. ثم كانت أحداث الإرهاب التي طالت معظم الدول العربية والإسلامية ، وكانت حادثة الأقصر عام 1996م صدمة للشعب الياباني نظرا لأن بعض الضحايا كانوا من السياح اليابانيين .
حاول الإعلام الياباني تقديم تفسيرات لبعض القضايا التي تثار في العالم الإسلامي ، وتعد بالنسبة للقارئ أو المستمع أو المشاهد الياباني غير مفهومة ، نظرا لندرة المصادر التي تتناول القضايا الاجتماعية في المجتمعات الإسلامية ، وهكذا تناولت جريدة آساهاي شنبون واسعة الانتشار قضية نصر أبو زيد الأستاذ الجامعي المصري ، وصدور حكم باعتباره مرتد ثم المطالبة بتطليق زوجته.68
ومن هنا شرحت الصحيفة على لسان بعض المتخصصين معنى كلمة مرتد مع التركيز على الأصوليين ، وشرحت الصحيفة ما ورد في قانون الأحوال الشخصية ، وارتباطه بأحكام القرآن وأهمية الأسرة في المجتمع .69
وفي أعقاب حادثة الأقصر بدأت بعض الصحف اليابانية تتكلم عن الإسلام كأنه دين إرهاب ونشرت إحدى الصحف70 حديث سفير اليابان في السودان آنذاك الذي قال بأن الإسلام دين يحث على قتل غير المسلم .
لم يكن هذا الخطاب هو الخطاب الوحيد الذي يسمعه الشعب الياباني ، فقد نشط بعض الباحثين في تفسير تلك الأحداث وربطها بالإرهاب العالمي ، بل وبسياسات الدول العظمى التي تربى بعض قادة الإرهاب على أراضيها ، بل نالوا أحيانا حمايتها، والأهم من كل هذا زيارات كبار القادة وكبار المسئولين من بلدان العالم العربي والإسلامي لليابان ، وهنا نشير إلى زيارة صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني إلى اليابان ، وحديثه الواضح للإعلام الياباني ، ودعوته مسلمي اليابان أن يعملوا لخدمة وطنهم اليابان ، وأن يمتثلوا لقوانين بلادهم وقيمها لأنها لا تختلف في شيء عن قيم الإسلام ، وقد غطت الصحف اليابانية هذه الزيارة ، وأشادت بالأفكار التي ذكرها ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز.71
وعلى كل حال يمكن القول باختصار بأن الخطاب الإسلامي في اليابان بدأ يمضي على خط صحيح ، رغم وجود من يحاول التشويش أو من يحاول الصراخ ، فهو خطاب هادئ يصدر في معظمه عن عدد من الباحثين اليابانيين المسلمين ومن غير المسلمين أيضا ممن تعمقوا في دراسة الإسلام من مثل :
البروفسور هشام كرودا والبروفسور يوسف إيموري ، والبروفسر الدكتور حسن كو ناكاتا ، وحبيه كاؤري تناكا والبروفسر يوسف كاشيورا والروفسر نور الدين موري والسيدة فاطمة توكوماس وامين توكوماسو ومختار الطيب موتو ، ورمضان إيسوزاكي واشرف ياسوي وعادل اوكي ، والشيخ معمر شينوهي ، وياسر كوسوجي (بجيم قاهرية) وسليمان هاماناكا وأحمد سوزوكي وعبد الواسع كيمورا ، وعبد الكريم تومئيوكا ، وحنيفه تومئيوكا ، وقد درس البعض في مصر بينما درس البعض الآخر في المملكة العربية السعودية أو في قطر ، أو في ليبيا ، أو في باكستان ، أو إندونيسيا أو في غيرها .
ومن مثل :
توشيهيكو ايزوتسو ، وكوجيرو ناكامورا ، وسوسومو فوجيتا وميتسو اوجوتو ، وشيجيرو كامادا ، وشينيا ما كينو ، وجوهي شيمادا ، وتاكيشي يوكاول ، وكاتوجي فوجيموتو ، وكوسي موريموتو ، وساتشيكو موراتا ، وناري آكي هانادا وغيرهم
واهتم هؤلاء بما يشبع حاجة الدارسين وحاجة الشعب اليابان للتعرف على الإسلام ، فبالإضافة إلى القرآن الكريم صدرت ترجمة لصحيح البخاري بقلم المستشرق الياباني شينيا ماكينو وصدرت ترجمة لصحيح مسلم بقلم يوسف إيموري ورمضان أيسوزاي وآخرين ، كما صدرت ترجمة مختصرة لسيرة ابن هشام بقلم المستشرق الياباني جوهيه شيمادا ، وترجم حسن ناكاتا كتاب مصطفى الساباعي السيرة النبوية ، كما ترجم المستشرق الياباني تاكيشي يوكاوا كتاب الأحكام السلطانية للماروردي وترجم أيضا بالاشتراك مع حسن ناكاتا السياسة الشرعية لابن تيمية ، كما ترجم كاتوجي فوجيموتو المنقذ من الضلال لأبي حامد الغزالي وترجم كؤوسيه موريموتو مقدمة ابن خلدون ، وترجم المستشرق الياباني ناري آكي هنادا التاريخ في أنساب الأشراف وأخبارهم وفتوح البلدان للبلاذري .
أما ياسر كوسوجي (بجيم قاهرية) فترجم الخلافة لرشيد رضا والإسلام ومنطق القوة لمحمد حسين فضل الله ، واهتم توشيهيكو إيزوتسو بالترجمة عن الفارسية ، فنقل كتاب فيه ما فيه لجلال الدين الرومي ونقل بعض مؤلفات صدر الدين الشيرازي .
واهتم البعض بالفقه وأصوله فترجم كوجيرو ناكامورا علم أصول الفقه لعبد الوهاب خلاف ، بينما اهتم آخر بالاقتصاد فنقل هشام كورودا كتاب اقتصادنا لمحمد باقر الصدر ، وترجم للصدر أيضا كتاب فلسفاتنا ، وهناك من اهتم بالقضايا المعاصرة والشريعة فترجم يوشينوري سانارا الشريعة الإسلامية والقضايا المعاصرة للشيخ احمد زكي يماني .
وقد صدرت في هذه الفترة دراسات كثيرة جدا عن القرآن الكريم وترجمة معانية بقلم باحثين يابانيين مثل فوجيموتو كاتسومي الذي حرر ترجمة اكيدا اوسامو وبان كوسائي وفوجيموتو كاتسوجي لمعاني القرآن وصدرت الترجمة عام 1970 في 566 صفة ، بالإضافة إلى أبيه هاريو ( علي ) الذي ترجم معاني القرآن الكريم نوفمبر 1982م ، ثم ترجمة معاني القرآن التي أشرفت على إعادة إصدارها جمعية مسلمي اليابان72 . كما شارك المسلمون (من غير اليابانيين ) المقيمون بأبحاث عن القرآن الكريم فكتب أفضل الرحمن مقالا بعنوان ذكر الصناعات في القرآن الكريم73 وكتب الشيخ علي السامني التعاليم الأخلاقية في القرآن الكريم 74 وكتب أيضا محاولة لفهم القرآن ، بينما كتب أسرار احمد بماذا يدين المسلمون للقرآن . أو فضل القرآن على المسلمين.75
وشارك الباحثون اليابانيون في الكتابة عن القرآن الكريم فكتب البروفيسور إيموري كاسوكيه ( يوسف ) " القرآن وطريقة حياة المسلمين " أكتوبر 1972م ، وكتب توشيهيكو إيزوتسو عن تلاوة القرآن مقالين نشرا في إبريل 1982م ، و يونيو 1983م ، وكتبت الباحثة أودا يوشيكو سلسلة مقالات بعنوان : مفهوم الأمة في القرآن الكريم – أساس المجتمع المسلم في سنة 1984م ، ومفهوم التقوى في القرآن الكريم في مارس 1985م ونشرت بحثا بعنوان الفكر القرآني في 30/9/ 1985م . وكتب خالد كيبا عن " القرآن مصدر التشريع الإسلامي 25/12/1989م ( مجلة السلام ) وعن تاريخ الأمم في القرآن ( قوم عاد ) 15/1/1986 ( السلام ) كما كتب تناكا شيرؤ " حكمة القرآن الكريم /12/ 1972م و القرآن الكريم كتاب حي 1/4/1975م أما هوري أوتشي ماسارو فقد اهتم بالقراءات في القرآن فكتب عن الوقف في القرآن الكريم ووظيفته في التلاوة أغسطس 1972م وكتب عن البسملة وتلاوة القرآن الكريم مارس 1977م ( مجلة جمعية الصداقة ) وكتب عن مدارس القراءات نوفمبر 1979م ، كما كتب مايجيمي شنجي عن القرآن والحياة اليومية للناس نشرت في مارس 1980م وأعيد نشرها في سنة 1978م .
وكتب باحثون يابانيون عن سيرة الرسول أبحاثا ومقالات ، ومن هؤلاء ساداموتو إيزوساكي الذي كتب عن معراج الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء يناير 1977م ، وكتب أيضا "محمد في الحديث الشريف" 20/8/ 1980م ( مجلة السلام ) وكتب جوتيه أكيرا ( بجيم قاهرية) سلسلة مقالات كانت قد بدأها في فترة مبكرة ومنها : من هو محمد ؟ 1/8/1978م و محمد والعرب ديسمبر 1980م ، والمدينة المنورة وقت هجرة النبي إليها فبراير 1984م ، و ملاحظات على المصادر التاريخية للسيرة النبوية في فبراير 1985م ومارس 1985م ، وفبراير 1987م .
ولم يقتصر الأمر على موضوعات تتعلق بالقرآن والسيرة النبوية بل اهتم الباحثون اليابانيون بالفكر السياسي والاقتصادي في الإسلام ، فترجموا بعض كتب ابن تيمية وكتبوا عن فكره ، فقد ترجم حسن ناكاتا السياسة الشرعية لابن تيمية وكتب إيموري كاسوكيه ( يوسف ) بحثا بعنوان ابن تيمية وعصره إبريل 1976م ، وكتب إيموري نفسه عن مفهوم الأمة وتطوره مارس 1981م ( السلام ) . وفرضت هذه الفترة الاهتمام بموضوعات معينة مثل مفهوم السلام في الإسلام ، وهو عنوان مقال للشيخ عبد الله عمر نصيف ترجمه كوميه تشئي ونشر بمجلة السلام في 20 يناير 1988م كما نشر معهد كاجيما للسلام الدولي ترجمة ما كتبه عبد الرحمن عزام بعنوان " رسالة الخلود التي بعث بها محمد" (يناير 1975م) وصدرت مجموعة أبحاث مترجمة لسيد حسين نصر ، ونصر الله وآخرين قام بترجمتها توشيهيكو إيزوتسو وآخر وصدرت عام 1988م ، كما كتب ايسوزاكي ساداموتو عن الجهاد في الإسلام مارس 1973م والتسامح في الإسلام مارس 1979م وكتب ايتاجاكي ( بجيم قاهرية) يوزو عن الإسلام والمجتمع ( فبراير 1980م ) وعن مستقبل الإسلام في نوفمبر 1983م .
وكتب اوجاساورا يوشيهارو عن الإسلام دين السلام والتسامح مارس 1980م .
وشهدت هذه الفترة عقد سلسلة من الندوات منها ندوة المفهوم الديني للإسلام والأديان الأخرى في الشرق الأوسط وصدرت البحوث في 325 صفحة في ديسمبر 1984م ، كما صدرت وقائع ندوة عن الحج المجلد الأول في 333 صفحة في سبتمبر 1986م والمجلد الثاني في 295 صفحة في مارس 1988م ، كما عقد مؤتمر الدراسات الشرقية في طوكيو ونشرت بحوثه التي من بينها بحث للدكتور حسن حنفي عن محاولة لفهم ماهية الإسلام ، وأيضا الإسلام واليهودية نموذج من الأندلس 1986م ، وعقدت ندوة في مركز الثقافة الآسيوية التابع لجامعة آياصوفيا بطوكيو ، وتناولت موضوعات تتعلق بالإسلام والإسلام والمجتمع وصدر سجل أعمال الندوة في مجلدين عام 1988م .
ولا يمكن حصر الندوات المتعلقة بالإسلام التي تعقد سنويا في اليابان ، لكن نشير هنا إلى الندوة التي نظمتها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في معهد طوكيو ، وقدمت فيها بحوث منها : دراسة الفقه في اليابان وترجمته للدكتور حسن كو ناكاتا ، ومن قضايا المسلمين في اليابان للدكتور عبد الله اليحي ، والإسلام وحكومة العولمة للبروفسر أكودا أتسوشي وغيرها .
وعلى المستوى الرسمي أدركت اليابان أن مجال دراسة الإسلام والحضارة الإسلامية ليس قاصرا على بلدان الشرق الأوسط فقط ، بل يشمل أيضا بلدان آسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا والبلقان وغرب إفريقيا ، ومن هنا بدأ المشروع الذي أداره البروفسر ساتو تسوجيتاكا الأستاذ بجامعة طوكيو تحت إشراف وزارة التربية والتعليم وأطلق عليه أسم " دراسات الحضارة الإسلامية ". وبدأ العمل به سنة 1997م واستمر لخمس سنوات76 وكانت المحصلة صدور عدد من البحوث القيمة والكتب التي تناولت موضوعات الشريعة الإسلامية والمذاهب والفرق وإدارة الدولة وغيرها من أمور حضارية شاملة عن الإسلام وبلاد العالم الإسلامي ، وهناك ملاحظات عامة لا مجال لذكرها هنا .77
وهكذا نلاحظ أن الخطاب الديني في تلك الفترة كان يلبي حاجة المجتمع الياباني إلى التعرف على الإسلام وعلى المسائل الحياتية التي كان يستعصي على اليابانيين فهمها ، وقد اهتم بالأمر الباحثون اليابانيون المسلمون وغيرهم من بعض المقيمين أو الوافدين على اليابان ، بينما كانت الندوات تعقد لدراسة موضوع معين تفرضه متطلبات الظروف ، وعلى المستوى الرسمي بدأت اليابان تنظر إلى العالم الإسلامي نظرة شاملة فلم يعد هو الشرق الأوسط مصدر البترول ، بل بدأت تتذكر فكرة آسيا الكبرى بزعامة اليابان ، ومن هنا كان التوجه لدراسة كل ما يتعلق بالإسلام والمسلمين على خارطة العالم من خلال مشروع دراسة الحضارة الإسلامية الذي أشرنا إليه من قبل .
ويبدو أن هذا التوجه استمر بل قوي في الفترة التالية أي فترة ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر .
5- فترة ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر
بدأ ما يسمى بعصر العولمة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي ، وهي التسمية المزركشة لعصر هيمنة القطب الواحد ، ولم يكد الباحثون ينشغلون بشرح مصطلح العولمة حتى فوجئ العالم بأحداث التاسع من سبتمبر عام 2001م ليبدؤوا من جديد الانشغال بشرح أسباب الحدث ومبرراته ونتائجه وما إلى ذلك.. . ولما كانت الأحداث تتعلق بشكل أو بآخر بالإسلام ، فقد كان من الضروري أن تؤثر تلك الأحداث على الخطاب الديني الإسلامي في اليابان .
ولا شك أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر تركت أثرا سلبيا على العمل الإسلامي الدعوي في اليابان على المستوى الرسمي ، لكنها من ناحية أخرى أثارت تساؤلات كثيرة لدى أبناء الشعب الياباني ، الذين لم يعرفوا شيئا من قبل عن الإسلام والعالم الإسلامي ، وكان على رأس قائمة التساؤلات التي طرأت على أذهانهم :
ما هي الدوافع التي أدت إلى هذه الأحداث ؟
مَنْ أولئك الذين غامروا بأنفسهم أو ضحوا بأنفسهم إن صح التعبير للقيام بهذا العمل ؟
لماذا اختاروا أمريكا ؟
ما طبيعة العقيدة التي جعلتهم يتحولون – بالمفهوم الياباني – إلى عاصفة إلهية أو كامي كازيه Kami Kaze ؟
ما الذي وحد بين أولئك الأفراد الذين ينتمون إلى بلدان وأقطار مختلفة ؟
وغيرها من تساؤلات احتلت مساحات واسعة على صفحات الصحف والمجلات المنتشرة في عموم اليابان.
وهكذا انشغل الباحثون والمفكرون بالكتابة عن الإسلام والمسلمين ، وتحليل مفاهيم الجهاد الإسلامي ، ومفهوم الشهادة في الإسلام ، وأكثر من هذا وذاك الاهتمام بالقرآن الكريم الذي هو دستور الإسلام ومصدر الشريعة ، والاهتمام بالسيرة النبوية وعصر انتشار الإسلام ، وقد دخل الساحة مفكرون اهتموا بتحليل الفكر السياسي الإسلامي لدى كبار المفكرين المسلمين، ،وترجمت بعض الكتب عن العربية والإنجليزية وغيرها ، وشكل بعض المتخصصين فريقا ليصدروا - في مجلد واحد - دائرة معارف العالم الإسلامي الحديث78، كما صدرت كتابات أخرى منها على سبيل المثال الكتاب الذي أصدره الياباني المسلم أحمد سوزكي في سبتمبر من عام 2002م وجعل عنوانه " معنى ما يريد المسلمون قوله " وهذه هي الترجمة الحرفية لعنوان الكتاب الذي تضمن فصولا عن الإسلام والسلام ،والشهادة في الإسلام ، والوضع في فلسطين وموقف الفدائيين ، وسوء فهم الإسلام ، والعبادات في الإسلام ، والسيرة النبوية والقرآن الكريم وترجمة معانيه ، والإسلام في الوقت الحاضر والإسلام في اليابان والمشاكل التي تواجه المسلمين اليابانيين وغيرها من موضوعات تهم اليابانيين. 79 ذلك لأن الشعب الياباني كان يفتش في المكتبات عن كل ما يتعلق بالإسلام ، واتجه المسلمون اليابانيون إلى ترجمة تفسير القرآن بعد أن انتهوا من مرحلة ترجمة معاني القرآن الكريم وترجمة كتب الحديث 80 فقاموا بترجمة تفسير الجلالين وصدر الجزء الأول منه بترجمة حبيبة كاأوري ناكاتا وبإشراف ومراجعة الدكتورحسن ناكاتا وذلك في شهر أكتوبر سنة 2002م .81
وهناك من أدباء اليابان الذين برعوا في فن القصة من اهتم بالقرآن الكريم ، وأعني الأديب الياباني أتودا تاكاشي82 الذي كتب سلسلة من المقالات في المجلة الشهرية شين تشؤو بعنوان : هل تعرف القرآن ؟ استمرت لسنة تقريبا ثم جمعها ونشرها في كتاب هذا العام ليكون الأول على أفضل ثلاث كتب تباع طبقا لإحصائيات منافذ البيع الخاصة بدور النشر اليابانية ، والكتاب مفيد لليابانيين من غير المسلمين المهتمين بالتعرف على الإسلام ، إلا أن المسلمين اليابانيين قد يشعرون بأنه يكتب كتابة سطحية غير متعمقة ، رغم أن الكتاب ككل يتضمن معلومات مفيدة وجذابة ، وقد زار المؤلف المملكة العربية السعودية وتجول في معظم مناطقها، وبخاصة تلك التي ورد ذكرها في القرآن الكريم ، واستفاد من خبرته في كتابة مقالاته تلك.83
وكان من الطبيعي أن تدفع أحداث الحادي عشر من سبتمبر والظروف التي تلتها غير اليابانيين المقيمين في اليابان بعيدا عن الساحة ، فقد كان من الصعب على غير الياباني الدخول في هذه الحلبة ، نظرا للدعايات المكثفة من قبل أجهزة الإعلام الغربية التي تأخذ عنها أجهزة الإعلام اليابانية ، ما تبثه فيما يتعلق بالإسلام ، ومحاولة ربط الإسلام كدين بالإرهاب .
لكن هذا لا يعني أن صوت غير اليابانيين من المسلمين لم يكن مسموعا في الخطاب الديني، فهناك من المسلمين المقيمين من استوطنوا اليابان وبخاصة من الجاليات التركية وجاليات شبه القارة الهندية ، وهم يتفهمون تماما طبيعة الشعب الياباني ، ونوعية الخطاب المقبول بين أوساط هذا الشعب ، ويعرفون بأن الشعب الياباني لا بد أنه يسترجع التاريخ ، والأحداث التي مرت بها اليابان ، ويتذكر دفاع اليابانيين عن بلدهم ، وتضحيتهم بأنفسهم ، بعد أن يتحولوا إلى ما يسمى بالعاصفة الإلهية ، ومن هنا اختلفت وجهات نظر معظم أفراد الشعب الياباني مع وجهة النظر الرسمية .
وقد سعت الجالية التركية إلى إقامة مدرسة يابانية يدخل ضمن مناهجها تدريس العلوم الإسلامية ، وهي أمنية طالما كانت الجالية الإسلامية في اليابان تحلم بها ، ولا يزال البعض يسعى لتأسيس مدارس على هذا النحو وقد نجح بعض أفراد جالية شبه القارة الهندية الباكستانية أيضا في تأسيس مدرسة ، لكن على نظام المدارس الدولية ، أما المدرسة التي أسستها الجالية التركية بالتعاون مع بعض المسلمين اليابانيين في يوكوهاما فقد اتبعت النظام الياباني ، ونالت اعتراف وزارة التربية والتعليم اليابانية وبدأت في عام 2002م وتسمى : Horizon Yokohama International School ولها موقع على الانتنيت يمكن الرجوع إليه للمزيد من المعلومات .84
وقد سعى أحد الباكستانيين المقيمين في طوكيو مؤخرا إلى تأسيس مدرسة عرفت باسم Sophia International School في منطقة ايكيبوكورو الشمالية في حي توشيما وقد بدأت المدرسة في سبتمبر 2003م .85
اهتمت المنظمات الدينية الرسمية في اليابان بالتعرف على الإسلام ، وإدارة حوار فعال مع المفكرين المسلمين ، ومثال ذلك المؤتمر الذي عقد في أغسطس من عام 2002م في مدينة كيوتو ونظمته هيئة الأديان العالمية باليابان تحت عنوان الحوار مع الإسلام من أجل السلام ، واختارت أن يكون المتحدث الرئيسي في الندوة مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور محمد بن سعد السالم ، وقد دهش الجميع لأنهم استمعوا إلى فكر إسلامي يختلف تماما عما أذاعته أجهزة الإعلام الغربية عن الإسلام والمسلمين ، مما دفع القائمين على الندوة إلى محاولة عقد صلات مستمرة مع الهيئات العلمية والجامعات في بلدان العالم الإسلامي للتعرف بشكل مباشر على كل ما يتعلق بالإسلام.86
ومن الجدير بالذكر أن الحكومة اليابانية سعت هي الأخرى للتعرف على تأثير الأحداث داخل اليابان وخارجها ، وسعت إلى دعم علاقاتها بالعالم الإسلامي بدءا من دول الخليج وبلدان الشرق الأوسط ، ومن هنا كانت الدعوة إلى عقد ندوات ومؤتمرات وجلسات للحوار بين اليابان وبلدان العالم الإسلامي وبخاصة دول الخليج والشرق الأوسط ، فكان تنظيم ندوة الحوار الإسلامي الياباني التي عقدت في البحرين ثم في طوكيو ، وندوة الحوار السعودي الياباني التي عقدت منذ عدة اشهر في الرياض في مقر مركز الملك فيصل للدراسات الإسلامية ونظمتها سفارة اليابان في الرياض بالتعاون مع المركز . وكانت دعوة وزير الخارجية السابق السيد كونو إلى دعم الحوار مع دول العالم الإسلامي واضحة وصريحة ، وكأن اليابان تريد أن تأخذ زمام المبادرة لقيادة آسيا من جديد ، والاطلاع بدور مهم في المنطقة وهذا يذكرنا بما كانت تقوم به في فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية .
اهتمت وسائل الإعلام المرئية في اليابان الرسمية وغير الرسمية بالإسلام وبدأ التلفاز الياباني الرسمي إن أتش كيه يذيع برامج لتعليم اللغة العربية في موسم الصيف، ويبث برامج أخرى تتعلق بثقافة وحضارة العالم الإسلامي ، وسعت الجامعات اليابانية لعقد ندوات علمية تتناول الإسلام وتاريخ الإسلام والفكر الإسلامي مع التركيز على سماع الصوت الإسلامي عن طريقة دعوة متخصصين من البلدان الإسلامية ، وآخر هذه الندوات يعقد في فبراير القادم عن مفهوم الجهاد في الإسلام وذلك في جامعة دوشيشة بمدينة كيوتو .
ومن ناحية أخرى ظهر اهتمام الجامعات اليابانية بدراسة الإسلام ، وحث الطلاب على دراسته ، وهكذا أنشأت جامعة تاكشوك اليابانية في طوكيو مركز دراسة الشريعة الإسلامية في عام 2002م ، ويديره البروفيسور نور الدين موري الذي تخرج في جامعة أم القرى بمكة المكرمة ، ويعمل فيه أساتذة وباحثون يابانيون مسلمون تخرج معظمهم في جامعات عربية وإسلامية كما تشكلت أيضا لجنة شرعية يرأسها طيب المختار موتو .
أما جامعة دوشيشه في كيوتو فقد أنشأت مؤخرا في كلية الإلهيات قسما للدراسات الإسلامية والعربية ، وجامعة دوشيشه جامعة تأسست قبل أكثر من مائة سنة بهدف دعم النشاط التنصيري في اليابان87 وقد بدأ العمل بهذا القسم الذي يهتم بتدريس الفكر الإسلامي وتفسير القرآن الكريم ودراسة السنة والسيرة النبوية واللغة العربية واللغة الفارسية والفقه وأصول الفقه في المرحلة الجامعية وفي الدراسات العليا أيضا ، ويرأسه حاليا البروفيسور الدكتور حسن ناكاتا ، ويعاونه الشيخ معمر جونيا سينوهي ويعمل به مسلمون يابانيون وأساتذة زائرون من بلدان العلم العربي والإسلامي .
أما المعهد العربي الإسلامي فيلقى هذه الأيام ترحيبا من اليابانيين على جميع المستويات ، كما أن نشاطه المتزايد يلقى الترحيب أيضا على المستوى الرسمي من الخارج والداخل ، وهو بصدد عقد ندوة قريبا – أشرنا إليها - تجمع ما بين المفكرين في المملكة و العربية السعودية والمفكرين اليابانيين .
كما كان لاستخدام الانترنيت أو ما يطلق عليه الشبكة العنكبوتية أعظم الأثر في التعريف بالإسلام بين اليابانيين ، وهناك موقع " مسلم نيت " وهو موقع حصري ، يقتصر الدخول فيه على المسلمين اليابانيين فقط ، يناقشون فيه أمورا تتعلق بالإسلام وقضايا العالم الإسلامي ، ويتبادلون فيه المعلومات والآراء ، ويشرف عليه الدكتور حسن ناكاتا وزوجته السيدة حبيبة ناكاتا ، ويتصف الموقع بالحيادية المطلقة ، وحرية الرأي والنقاش ، ويستخدم اللغة اليابانية فقط لأنه مقصور على المسلمين اليابانيين كما ذكرنا ، وهناك مواقع أخرى شخصية لعدد كبير من المسلمين اليابانيين والمسلمات اليابانيات ، تهدف إلى التعريف بالثقافة والحضارة الإسلامية ، والكتابة عن التجارب الشخصية أو إثارة تساؤلات عامة .
كما أن موقع المركز الإسلامي على الانترنيت ، وموقع مسجد طوكيو الجامعة وموقع المعهد العربية الإسلامي وموقع جمعية مسلمي اليابان مواقع مفيدة أيضا ، مع أنها تركز على التعريف بنشاطاتها ، ولهذا فهي تختلف عن نوعية موقع مسلم نيت الذي يتبادل فيه اليابانيون المسلمون آراءهم ومعلوماتهم ويعلنون عن نشاطاتهم أو نشاطات غيرهم .
وقد فرض الوضع في اليابان على جمعية مسلمي اليابان أن تنشط وتعمل رغما عنها ، فالمؤسسات الحكومية وغير الحكومية والمنظمات المختلفة داخل اليابان عادة ما تلجأ إليها للرد على التساؤلات والاستفسارات التي تظهر فيما يتعلق ببعض قضايا ذات صلة بالإسلام أو العالم الإسلامي ، وقد أقبل كثير من اليابانيين على الإسلام ، ويذكر أمين توكوماس أنه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر فإن ما يقرب من 300 ياباني يدخلون الإسلام كل سنة .
كما تجدر الإشارة إلى أن الجمعية تتعاون مع جميع الجهات الرسمية وغير الرسمية في دعم الخطاب الإسلامي الصحيح في اليابان فهي تتعاون مع الجامعات اليابانية والخارجية اليابانية والمعهد العربي الإسلامي وجمعيات الصداقة اليابانية العربية والإسلامية والمدارس المؤسسة حديثا وغيرها ، لأن أعضاءها يعملون هنا وهناك ، وينشطون من خلال المؤسسات الحكومية وغيرها.
أما الصحافة الإسلامية فقد نشطت صحيفة مسلم شينبون التي تصدر باليابانية كل شهر وتوزع على المسلمين اليابانيين داخل اليابان وخارجها ، وهي تشبه إلى حد كبير موقع مسلم نيت فصفحاتها مفتوحة لجميع القراء للتعبير بحرية عن آرائهم88 وقد صدر مؤخرا العدد رقم 137 في 20 ديسمبر 2003م .
ومن الجدير بالذكر أن الجالية التركية في طوكيو بدأت في إصدار مجلة شهرية بعنوان " يا سو را جي " بجيم قاهرية وتعني الاستراحة وقد صدر منها عدد ديسمبر هذا العام والحقيقة أن المجلة تخاطب القارئ بشكل مختلف تماما عن أسلوب مسلم شينبون سابقة الذكر فالمجلة تتضمن شعرا ومقالات مترجمة ووصفات لأطباق شهية فضلا عن ترجمات مأخوذة من كتب تتعلق بالتاريخ الإسلامي أو الإعجاز العلمي في القرآن ويمكن تصفحها في موقعها على الانترنيت.89
وهناك مجلات أخرى كانت تصدر من قبل ، ولا تزال مستمرة ، مثل مجلة جمعية الصداقة اليابانية السعودية التي أصبحت تسمى صداقة أما مجلة جمعية الصداقة اليابانية الكويتية فأصبحت تسمى الدانه ، وهي تقدم بعض مظاهر الحضارة العربية الإسلامية فضلا عن تغطية النشاطات التي تتعلق بالعلاقة بين اليابان والبلدان المعنية ، كما توجد مجلة الإسلام لسان حال جمعية مسلمي اليابان ، ومجلة السلام لسان حال المركز الإسلامي ، ومجلة السلام قدمت خدمات عظيمة لنشر الثقافة العربية الإسلامية في اليابان عن طريق ترجمة المقالات والبحوث العربية وعرض بعض الكتب ، واستكتاب بعض اليابانيين في موضوعات تتعلق بالإسلام في اليابان أو تتعلق بالقرآن الكريم والسيرة النبوية أو الفقه الإسلام وغيرها من موضوعات مهمة ، وقد رد ذكر بعضها في الصفحات السابقة وفي الحواشي والتعليقات ، والأمل معقود على أن يصدر المعهد العربي الإسلامي – فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مجلة باليابانية تهتم بنشر موضوعات عن الثقافة العربية الإسلامية وتجذب الباحثين والكتاب اليابانيين.
خاتمة :
ما يمكن التأكد منه في خاتمة هذا البحث، هو أن الخطاب الإسلامي، رغم الحملات السلبية ضد الإسلام في المدة الأخيرة، ، ما فتيء مسموعا لدي الشعب الياباني الذي يتوق إلى التعرف على هذا الدين وعلى حضاراته ، وإذا كان أحد المفكرين اليابانيين قد ذكر بأن الشنتو ديانة لم تبلغ لليابانيين لكنهم تصيدوها بأنفسهم ، فإنه يمكن القول بأن اليابانيين هذه الأيام يبحثون عن الإسلام ، ويتشوقون لمعرفة ما يتعلق به من حضارة وثقافة وعقيدة.
وقد بدأ الباحثون اليابانيون المكلفون من قبل المسئولين الرسميين في إجراء دراسات عن وضع المسلمين المقيمين في اليابان ، وكانت النتيجة في مجملها أن اليابانيين المسلمين يتفهمون تماما الوضع في بلادهم ، ويتفهمون ضرورة الانسجام والتناغم مع المجتمع ككل ، وكذلك الجالية التركية التي قدمت إلى اليابان منذ أكثر من قرن وربع القرن ، فهي تفهم طبيعة المجتمع وحدوده ، وتقاليده ، وقد عاشت في هدوء ، تمارس عقيدتها الإسلامية وتختلط بالشعب ، وتعيش في وئام تام ، أما المقيمون من دول عربية مثلا ، فلا حرج ، فهم يقضون بضع سنوات ويعودون ، وكذا من جاءوا من إيران ، فهم لا يهتمون بشيء ، ويلاحظ أنهم يندمجون في الحياة مدة إقامتهم ثم يعودون أدراجهم ، لكن المسألة التي تهم المسئولين تتركز على جالية أبناء شبه القارة الهندية من هنود وباكستانيين وبنغاليين ، فهؤلاء قدموا ليستقروا ، فالتحقوا بالأعمال الصعبة ، وتزوجوا من أهل البلاد وأنجبوا ، وكونوا تجمعات في طوكيو وما حولها ، وتمكنوا بجهودهم الشخصية من بناء مساجد ومصليات صغيرة ، اقتطعوا ثمنها من رواتبهم القليلة ، وأثاروا إعجاب من حولهم من اليابانيين ، وجذبوا إليهم جيرانهم ، الذين شعروا بالراحة في جوارهم بعد أن تمكن هؤلاء من شراء دور القمار أو المراقص التي تثير الضجيج طوال الليل ، وحولوها إلى مصليات يسودها الهدوء ، وتغلفها السكينة .وفي الوقت الذي ينظر الناس بإعجاب هؤلاء المسلمين الذين يداومون على الصلاة ويتصفون بالخلق الحسن ، يتساءل المسئولون الرسميون ، ماذا لو ترتب على تبلور هذه الهوية "الإسلامية" إشكاليات سياسية أو قانونية تشبه تلك التي تعرفها الأقليات الإسلامية الأخرى في العالم؟.... ويظل السؤال معلقا ليجيب عليه الباحثون اليابانيون الذين يرصدون نوعية الخطاب الإسلامي في اليابان ..
--------------------------------------------------------------------------------
1 أنظر: الكوجيكي، (وقائع الأشياء القديمة)، ترجمة وتقديم محمد عضيمة، بيروت، دار الكنوز الأدبية، ط1، سنة1999. ص 83. و أيضا: كرم خليل، التيارات الأدبية في الأدب الياباني الحديث والمعاصر،كتاب الرياض، العدد 68، أغسطس 1999م.ص18 .
2 الكوجيكي ، ص18.
3 المصدر، ص22.
4 المصدر.
5 المصدر، ص95.
6 المصدر، ص98.
7 المصدر، ص 23.
8 المصدر، ص81.
9 المصدر، ص 83.
10 أنظر: سمير عبد الحميد، الإسلام والأديان في اليابان، مكتبـــة الملك عبد العزيز ، الرياض 2001م. ص 32.
11 المصدر السابق، ص 51.
12 المصدر، ص 69.
13 المصدر، ص 75.
Skyo, Ono : Shinto the way of Kami PP 96 قارن: 14
15 أنظر: سمير عبد الحميد، الإسلام والأديان في اليابان، مصدر مذكور، ص 91.
16 راجع حول هذا الموضوع المصدر السابق،ص 172 وما بعدها.
17 للمزيد من المعلومات حول هذه الطوائف أنظر،سمير عبد الحميد، المصدر السابق، صص 97-107.
18 أنظر المصدر نفسه ص 137
20 المصدر، ص 162.
21 أنظر: I. Notobeih , Bushido PP 16-17
22 أنظر: محمد خليفة، تاريخ الأديان، القاهرة،ص 123.
23 أنظر: البوشيدو وقيم الحضارة العربية الإسلامية، ة الملك عبد العزيز، الرياض، الصفحات المتعلقة.
24 أنظر: William Forbs , Japan Today P 104
وانظر أيضا: Japanese Religion P 77
25 سمير عبد الحميد ، الأديان في اليابان، ص 295
26 المصدر،ص 300
27 المصدر السابق، ص 225.
28 أنظر: E. Saunders, Buddhism in Japan P 206
29 أنظر: إدوين رايشار ، اليابانيون الكويت ، سلسلة عالم المعرفة. ص 317.
30 أنظر: Buddhism in Japan P268
31 الإسلام والأديان في اليابان ، ص ص 253-270
32 أنظر: سمير عبد الحميد، الدعوة الإسلامية في اليابان بين نظريات الدعاية وواقعيات التطبيق الجريسي القاهرة الصفحات المتعلقة.
33 سمير عبد الحميد،الإسلام والديان في اليابان، ص ص 330-331.
34 أنظر: Hiso Lee , The advent of Islam in Korea P 163
35 أنظر: علي الجرجاوي، الرحلة اليابانية، نشر وتقديم وتعليق سمير نوح، مؤسسة الرسالة الشركة المتحدة للتوزيع ، بيروت 1996م. ص 53.
36 أنظر: الإسلام والأديان في اليابان، مصدر مذكور، ص 341.
37 أنظر: Hiso Lee, P 172
38 قارن، الجرجاوي، الرحلة اليابانية، مصدر سابق.
39 الإسلام والأديان في اليابان، مصدر مذكور، ص 341.
40 ومثال ذلك ما حدث لقربان علي الذي قبل في البداية وتم الترحيب به ثم طرد فيما بعد .
41 مجلة معارف الهندية، مجلد 35، عدد 5 ، سنة 1935.
42 الإسلام والأديان في اليابان ص 439 وما بعدها.
43 هي سو لي، عبد الرشيد إبراهيم والعلاقات الإسلامية اليابانية ترجمة كمال أحمد خوجه مخطوط ص 75.
44 حديث الأمير إيتو مع عبد الرشيد في المصدر السابق ص 81.
45 المصدر نفسه، ص 82.
46 ذكر عبد الرشيد إبراهيم أنهم طبعوا منه خمسة ملايين نسخة، المصدر السابق ص 86.
47 وهي الآن حي يقع في قلب أحياء طوكيو التي تمثل طوكيو الكبرى.
48 وردت القصة في مذكرات عبد الرشيد انظر هي سو لي ص 91.
49 المصدر.
50 انظر صالح السامرائ ، الدعوة الإسلامية في اليابان تاريخا وتطورا ، مقال، منشورات المركز الإسلامي بطوكيو، ص 2 و ص 10.
51 السامرائي، المقال السابق، ص 11.
52 أنظر: سمير عبد الحميد، البوشيدو روح اليابان وقيم الحضارة العربية الإسلامية،مكتبة الملك عبد العزيز، الرياض.
53 قارن : تناكا إيبيه، رائد الدراسات الإسلامية في اليابان،تحرير نخبة من الأساتذة، جامعة تاكشوك،ترجمة سمير عبد الحميد وسارة تاكا هاشي. تحت الطبع.
54 المصدر نفسه.
55 أنظر: هي سو لي، العلاقات الإسلامية اليابانية ، ص 132.
56 في كتابه الذي صدر بالإنجليزية في لندن عام 1935م بعنوان Crescent in the Country of Rising Sun
57 هي سولي، مصدر سابق، ص 133.
58 انظر : تناكا إيبيه رائد الدراسات الإسلامية في اليابان الصفحات المتعلقة.
59 أنظر: أووتسكا تاكيه هيرو، أوكاوا شوميه رائد مبدأ آسيا المتوحدة، ترجمة أحمد محمد فتحي، القاهرة.
60 كتاب بببلوجرافيا الكتب والأبحاث التي نشرت في اليابان منذ البداية وحتى عام 1985.
61 أنظر: عبد الكريم تومئيوكا، بحث عن الإسلام في اليابان مكمل لدرجة البكالوريوس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة 1411 هجرية غير مطبوع ، وأيضا سمير عبد الحميد الإسلام والأديان في اليابان ص 405 .
62 الإسلام والأديان في اليابان. ص 429.
63 النشرة التعريفية بالمركز الإسلامي في اليابان، ص1
64 تذكر بعض المصادر أن 1775 يابانيا اعتنقوا الإسلام في ستة أشهر .
65 من هذه الدول العراق وإيران وليبيا.
66 أنظر: الإسلام والأديان في اليابان، مصدر مذكور، ص 465 وما بعدها.
67 المصدر.
68 المصدر نفسه، ص 476.
69 جريدة آشاهي شينبوم، 27 أغسطس، 1966.
70 الإسلام والأديان في اليابان ص 520
71 صحيفة نيهون كئيزاي شينبون.
72 انظر الصحف الصادرة في أكتوبر 1998م .
73 الإسلام والأديان في اليابان، الصفحات المتعلقة بترجمة معاني القرآن الكريم.
74 مجلة السلام 25/9/1981م
75 مجلة السلام 25/12/1981م
76 مجلة السلام 25/9/1988.
77 الإسلام والأديان في اليابان ص 467 وما بعدها
78 ورد في الصحيفة على لسان يا سونوري المختص بشؤون الشرق الأوسط ما يلي : في الإسلام تمثل الأسرة العمود الفقري للعلاقات الاجتماعية فالقضية إذن ليست مسألة شخصية تتعلق بفرد واحد أو تتعلق بشخصين ، فالزواج الشرعي يعني أن الرجل والمرأة زوجان وبينهما أطفال لهم حقوق في المجتمع أما الزواج غير الشرعي فلا يعطي المرأة أي حق كما أن الزوجين والأطفال جميعا لا يتمتعون بأي حقوق اجتماعية وهكذا يرى الأصوليون أن هذا الرجل نصر أبو زيد يخرب العلاقة الاجتماعية ويفسدها ويسئ إلى أساس المجتمع " وأضاف : هناك من المفكرين أصحاب الاتجاه الإسلامي وكذلك المفكرين المهتمين بالشئون الاجتماعية من ينتقد هذا الحكم ويرى الأصوليون أن الفكر الإسلامي لا يخاطب الناس دائما وفقط بأسلوب هذا ممنوع وهذا ممنوع ، لا .. فالإسلام حقيقة يقبل الآراء المختلفة ما لم تكن تتعارض مع أصول العقيدة ويسمح بالنقد ، ولا يقبل الأشياء على علاتها ، فهدف الإسلام هو تحقيق السعادة للبشر جميعا من خلال وضع أسس لحياة سليمة صحيحة ، ويقول هؤلاء بأن الإسلام دين سهل متسامح يتعامل مع كل زمان ويصلح لكل مكان وهذا هو الأساس والكيفية التي يتم عن طريقها تطبيق الإسلام بين الناس " انتهى آساهي شنبون 27 أغسطس 1996م .
79 صدرت في 25 مارس 2002 في مجلد ضخم يقع في 500 صفحة وقام بإعداده فريق يتكون من أربعة من المستعربين اليابانيين بإشراف الدكتورة موتوكو كاتاكورا الأستاذة بجامعة تشيو في طوكيو. انظر عرض وتحليل دائرة معارف العالم الإسلامي ، سمير عبد الحميد، ص 38 وما بعدها أحوال المعرفة مكتبية الملك عبد العزيز ،ع 26 السنة ، السابعة سبتمبر 2002م.
80 أحمد سوزكي من الجيل الثاني لمسلمي اليابان فقد ولد لأب مسلم ويذكر أن أباه وعمه أديا فريضة الحج أما هو فدرس في الأزهر وعمل بالسفارة اليابانية في السعودية ثم في شركة سوميتومو التجارية قسم الشرق الأوسط وعاش سنوات في السودان والأردن والبحرين واليمن واستقال من عمله سنة 1997 وانتقل للعمل مستشارا اقتصاديا في الفلبين وفي سنة 2001م .
81 سبق أن صدرت ترجمة صحيح مسلم في ثلاث مجلدات بالتعاون بين جمعية الصداقة اليابانية السعودية وجمعية مسلمي اليابان.
82 يشتمل المجلد الأول على تفسير سورة الفاتحة حتى سورة الأعراف ، واهتمت بنشره جمعية الصداقة اليابانية السعودية .
83 نشرت له مجلة الفيصل قصة مترجمة بعنوان القميص المنحوس كما نشرت له مجلة نوافذ نادي جدة الأدبي قصة بعنوان إشارة الخطر.
84 انظر مسلم شينبون العدد 136 الصادر في 20 نوفمبر 2003م .
85 أنظر الموقع الإلكتروني:
www.horizonyokohama.org
والتدريس فيها باللغتين الإنجليزية واليابانية وتقبل التلاميذ من جميع الجنسيات دون تفرقة أو تمييز وهي تدرس لغة ثالثة يمكن أن تكون الهندية أو لأردية أو البنغالية أو الصينية أو الكورية أو العربية أو الإندونيسية أو الماليزية أو التجالوج أو الروسية أو الإسبانية أو الفرنسية وغيرها كما يوجد ترتيب لتدريس القرآن الكريم مع اللغات المذكورة ويتولى نظارة المدرسة محمد كامران شوكت علي من باكستان نشرة المدرسة باللغة الإنجليزية وموقع المدرسة على الانترنيت هو :
www.sophia-school.com
86 جريدة الأهرام 12 أغسطس 2002م وأيضا 19 أغسطس 2002م رسالة كيوتو احمد الحسيبني هاشم وأيضا نشرة المؤتمر الصادرة باليابانية والإنجليزية أغسطس 2002م وصحيفة بوكيو تايمز الأسبوعية اليابانية 8 أغسطس 2002م وأيضا مجلة صداقة باليابانية العدد 209 سبتمبر 2002م ص12.
87 من المواد التي تدرس في المرحلة الجامعية دراسات في السيرة والسنة ، مدخل إلى الفقه الإسلامي وتفسير آيات الأحكام المتعلقة بالنساء ، والبيع والنظام الاقتصادي في الإسلام وعلوم القرآن والحديث ، مدخل إلى فهم الإسلام علم أصول الدين فقه العبادات تاريخ الفكر الإسلامي مع قراءة نصوص من التراث الإسلام مع دراسة قواعد اللغة العربية والمحادثة انظر موقعها على الانترنيت للتعرف على تاريخا وكلياتها ومناهجها
88 الإسلام والأديان في اليابان الصفحات المتعلقة.
89 فقد تضمن عدد ديسمبر 2002 على سبيل المثال تهنئة بالعيد من المحرر بالإضافة إلى أشعار تركية مترجمة إلى اليابانية ومقال بعنوان كيف نتعلم ممن يهمله الناس بقلم كاتب تركي يدعى قربان ، ثم مقال بعنوان حفل إفطار بقلم تناكا ساتشكو ، ثم ترجمة للحديث النبوي لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ، ومقال مترجم عن القرآن والعلم مع ذكر المصدر ثم مقتطفات من سيرة ابن هشام ترجمة هيجوتشي ميجومي ( بجيم قاهرية ) ومقال آخر مترجم ودعاء مع إثبات النص العربي مع الترجمة والنطق بحروف الكاتاكانا ثم مقال عن زكاة الفطر مأخوذ من موقع الإسلام في الانترنيت وأخير وصفة لطبق تركي مكون من اللحم والأرز وأخيرا مع القراء انظر الموقع على الانترنيت:
http://isuramu.netfirms.com/m_yasuragi.htm
http://www.science-islam.net/article.php3?id_article=812〈=ar
عقيدة
تصدر السؤال عن "الدين" في اليابان أو عن الاعتقادات التي يؤمن بها اليابانيون، جملة الأسئلة التي تتكرر حول هذا البلد، خاصة في البلدان العربية، بينما لا يتبادر هذا السؤال إلى ذهن اليابانيين أنفسهم لأسباب هي التي سنتعرض لها بالبحث هنا .
....
ونحن نحتاج للتطرق إلى هذا الموضوع للعودة إلى حيث بدأت الحكايات أو الأساطير اليابانية القديمة أو إلى ما يطلق عليه باليابانية " الكوجيكي " أو مجموعة الحكايات القديمة التي تتضمن قصة خلق اليابان من منظور أسطوري ياباني . وأرجو أن يفهم استخدامي للتعبيرات والمصطلحات العربية بالقياس إلى بعض المعتقدات اليابانية، على إنه لغرض توضيح بعض الأفكار، لأني أعلم أنها قد تربك السامع أو القارئ أو تثير بعض الانتقادات بدعوى أن هذه التعبيرات، تخص الحديث عن الإسلام. لأن الهدف هنا هو نقل ما يعتقده الآخر،وليس بالضرورة الاتفاق معه، أو مطالبة الآخرين بقبوله. ظهر كتاب الكوجيكي، أو بعبارة أدق تم تجميع حكاياته سنة 712م.1 وهو يضم مجموعة حكايات أسطورية ، تهدف لإثبات الأصل السماوي أو الأصل الإلهي للجزر اليابانية ولأباطرتها2 فجزر اليابان – من هذا المنظور - هي فعل الآلهة ، بل هي بنات الآلهة، وكل ما عليها من جبال وأنهار وأشجار وغيرها يجب استلهامه في الحياة، وينبغي العيش وفق قوانين الفطرة في هذه الجزر أي وفق طبيعة الفعل الإلهي، ومن هنا فإن الوطن مقدس من المقدسات الدينية عند اليابانيين، ولا يوجد فصل بين الوطن وبين الإمبراطور – ولي الأمر - من ناحية القدسية، فالشعب يؤمن بأنه نزل أصلا من السماء، وهو في الأساس ابن الشمس.3
ومن خلال محتوى الكوجيكي نلاحظ أن العالم ينقسم إلى :
سماوي/علوي، وأرضي /سفلي. والسماوي يخلق الفرح والسعادة على الأرض، بينما تسبب الأرواح الشريرة في العالم السفلي الأذى والشر على الأرض، لهذا يجب التوسط بين هذه العوالم الثلاثة كي يسود الانسجام.4
كما نلاحظ أن كلمة " كامي " التي تظهر باستمرار في " الكوجيكي " يمكن أن تعني الله، ليس فقط الله الرحمن الرحيم الذي منه الخير، بل أيضا الله الجبار المنتقم الذي منه الشر، وقد أوجدوا وسائط إلهية حيث هناك إله للشؤم مثلا وغير ذلك، ومن هنا نلاحظ أن المعتقد الأكثر دلالة وشعبية من بين المعتقدات المتعددة التي يكتشفها قارئ الكوجيكي، هو تقديس الشمس بصفتها نبع الحياة و النور، ممثلة في شخصية ( الإلهة الكبيرة المهيمنة. "أما - تيرا - سو " ) ولهذا السبب يعتبر اليابانيون أن معبد " إيسيه " الكبير المخصص لعبادة هذه الإلهة هو " قدس الأقداس جميعا " ومن هنا ظهر الياباني كروزومي مُني تارا ( 1780-1850م ) بمذهب شنتوي جديد في عصر إيدو يركز على تقديس الشمس، يقول: "إذا تنفستم روح الشمس في كل حركة من حركات شهيقكم، وإذا ملأت بالتالي روح الشمس جسدكم فسوف فلن يكون انقطاع داخل روحكم .. "5 ويقول أيضا:" على الإنسان أن يستيقظ والدنيا لا تزال ظلاما ثم يتأمل شروق الشمس بإجلال واحترام ، على أن يكرس نفسه تماما لواجبه اليومي وذلك حتى غروب الشمس، في كل يوم تشرق الشمس، فاعمل في كل يوم، وسوف تنام بهدوء في كل ليل، وفي اليوم التالي تستطيع أن تتمتع من جديد بشروق الشمس ، هنا تكون حياة الإنسان، عند شروق الشمس يولد الإنسان وعند الغروب يموت ".6
على المستوى الرسمي أعيد الاهتمام بالكوجيكي في عهد الإمبراطور ميجي عام 1867م صاحب حركة الإصلاح أو الاستعادة كما يقال أحيان، فأراد أن يكون الكوجيكي ممثلا للروح اليابانية إلى جانب التكنولوجيا الأوربية المستوردة من الخارج، نظرا لوجود قلق من ضياع الروح اليابانية عندما قررت اليابان الانفتاح على العالم الخارجي .. وهكذا أخذوا يدرسون حكايات الكوجيكي ويعلمونها، فكانت تدرس داخل المنهج المدرسي قبل الجامعة، وكانوا يركزون على الحكايات المتعلقة بالإمبراطور بصفته إلها، أو بإحدى الشخصيات القريبة منه.
ورغم أن هذا الأمر انتهى فيما بعد، وإلى الآن، فلم تعد تدرج مثل هذه الحكايات داخل المناهج الدراسية، لكن يتم إيصال هذه الأشياء بطرق عديدة منها المسلسلات التلفزيونية والأفلام والمسرحيات والرسوم المتحركة وغيرها، ومن خلال الأسرة التي تلقن ذلك للأطفال بشكل عفوي تلقائي، كما يذكر محمد عضيمه مترجم الكوجيكي للعربية: " إنهم يعتبرون الكوجيكي أكثر من كتاب مقدس ، لا يرددونه في الميكرفونات ، بل ينثرون محتواه في الرياح مع الحياة ، دون إشارة إلى أنه من الكوجيكي ." 7
وهكذا تطورت المعتقدات الخاصة بعبادة الطبيعة وكل ما فيها إلى عقيدة ، شملت أيضا تقديس آلهة الأسلاف أو روح الأسلاف ولم يكن هناك تمييز بين الإله والبشر، وبين الطبيعة والآلهة ومن هنا تعد الشنتوية هي الدين الفطري في اليابان.
ثم كان دخول البوذية الذي يعد من أهم الأحداث التي انعطفت بتاريخ اليابان، ومنذ ذلك الحين لم يتغير اليابانيون فقط بل تغيرت جميع أشكال الثقافة باليابان وتطورت في اتجاه جديد8 مثلما كان دخول الكونفوشية اليابان في عهد الإمبراطور"أوجين " منعطفا في تاريخ الحضارة اليابانية9 وظل علماء الفلسفة اليابانيون يبجلون فلسفة كونفوشيوس التي شهدت قبولا وانتشارا إبان عصر أسرة طوكوكاوا في الفترة الوسيطة من تاريخ اليابان، ذلك لأن الكونفوشية الصينية ( التي دخلت ما بين القرنين السادس والتاسع الميلاديين ) هيمنت بفلسفتها على الفكر الياباني وانتشرت سلوكياتها في المجتمع10 والحقيقة أن البوذية جلبت معها أيضا بعضا من أفكار العقيدة الطاوية والكونفوشية.
ومن هنا صار الدين في اليابان ثقافة أكثر منه عقيدة وصارت الحياة الدينية في اليابان خصبة متنوعة، عبر تاريخ طويل من تداخلات عدد من التقاليد الدينية والقيم والمعتقدات والممارسات وبخاصة ما يعود منها إلى الشنتو الدين الرسمي (رغم كل شيء ) والذي أستمر متجذرا بعمق داخل التربة اليابانية رغم كل زلازل التاريخ.
ومن هنا يكون الحديث عن الشنتو كدين:
كلمة شنتو تعني طريق الكامي أو الإله، وهي المصطلح الجديد للتعبير عن الإيمان بالله بالمفهوم الياباني، وقد استخدمت الكلمة منذ القرن 12 الميلادي للتعبير عن هيئة أو جماعة تحمل عقائد دينية،وليس للشنتو مؤسس أو رسول مثل بوذا مثلا وليس لها كتاب مقدس، لكنها تؤكد على الإيمان بالكامي عن طريق الاتصال بعقل أو ذهن الكامي، والكامي مصطلح يطلق على كل الكائنات على أنها الآلهة، ولكل كامي شخصية خاصة به، وقدرة خاصة به، ورغم عدم وجود نصوص مقدسة، فهناك أماكن للعبادة يطلق عليها المزارات، والهدف الأساسي للمزار هو إيجاد مهبط للكامي أو مكان لعبادة الكامي، ولا تبنى المزارات لنشر العقيدة أو تعليمها، وفي المزار حجرة يوضع فيها الرمز المقدس للكامي، وهناك مكان لتقديم القرابين، والمرآة هي إحدى الرموز العامة في عقيدة الشنتو، وهي ترمز إلى العقل الصافي وهذا مأخوذ من أسطورة قديمة11 وهناك صولجان للتطهير ورايات بأشكال مختلفة، وهي في الغالب حلية وزينة، وهناك أشياء رمزية مثل المجن والترس والسيف، وهناك الحبل المقدس من القش، والمزار يقام في منطقة تتميز بما يحيطها من مظاهر الطبيعة، وتمثل البوابة المقدسة علامة من علامات المزار الرئيسية.
أما عناصر العبادة الرئيسية فهي الطهارة وتقديم القرابين والصلاة ثم الاحتفال الرمزي.
و قد يتساءل البعض: كيف انتقلت هذه العقيدة من جيل إلى جيل عبر آلاف السنين ؟ ويرد رجال الشنتو بأن الناس تصيدوا هذه العقيدة ولم يتعلموها، من خلال حاسة تقبل هذه الشعيرة والطقوس والمهرجانات الخاصة، وربما من خلال التعليم الذي يتعلق بالأخلاق والمثل .. ورغم كل ذلك كان الناس داخل حي معين أو دائرة سكانية معينة على دراية بأنهم مرتبطون معا ومحكومون دون شعور منهم بواسطة مزار الشنتو، وهذا يعني بالتالي كل شيء في الحياة اليومية،ومع هذا يمكن أن نلاحظ عبادة الأشجار، وعبادة الجبال، وهي من أقدم أنواع العبادات في اليابان التي دخلت البوذية أيضا.
أما فكرة العالم الآخر فهو في الشنتوية الوادي الأعلى في السماء مكان نزول الكامي الأعلى حيث حياة الخلود، أما عالم الأشباح الميتة والأرواح الشريرة النجسة فهو عالم الظلمة .12 والمؤمن بالشنتوية يرى أن هذا العالم الذي نعيش فيه يورث الخير الذي يجعل سعادة الإنسان متطورة ومستمرة، وقد ينالها في الآخرة. والشنتو لا تقول بفكرة تأصل الشر أو الخطيئة في الإنسان الذي جبل على الخير، وإذا ورد الشر على الإنسان فسببه الخداع والإغراء، ومصدره عالم الظلمة، والسبب هو الأرواح الشريرة، ومع هذا فالشر مؤقت وليس بدائم.
وتفسر عقيدة الشنتو الشر على أنه كل ما يربك الوضع الاجتماعي، ويجلب سوء الحظ ويعرقل عبادة الكامي، ولهذا يجب التمييز بين الخير والشر، والذي يميز بينهما هو روح الإنسان فهي وحدها التي يمكنها ذلك، وهذا يكون بمساعدة الكامي الحكم الصحيح، ويتم هذا عن طريق الاتصال بعقل الكامي، وهو ممكن حين توجد حالة من الاتحاد بين المقدس أي الكامي والإنسان، وحين يمكن لهذا الإنسان أن يقترب من الكامي بعقل مضيء، نقي ، طاهر أثناء العبادة . والموت في عقيدة الشنتو شر أو لعنة، والمصطلح الذي يعني الموت " كيه جاريه "13 يشير أيضا إلى معنى " أمر غير عادي " أو " شذوذ " أو " حظ سيئ " .
ويعتقد اليابانيون أن الموتى يستمرون في الحياة كأرواح ويزورون هذا العالم من حين لآخر، ويتقبلون ما يقدمه له أحفادهم،ومقابل ذلك يترحمون عليهم، ومن الجدير بالذكر أن دخول أجساد الموتى إلى المزار ممنوع، كما أنه ليس للكهنة الحق في الاشتراك في مراسم الدفن، لهذا أخذت البوذية في العصور المتأخرة هذا الأمر وطلبت حكومة طوكوكاوا 1603م – 1868م من الناس جميعا دفن موتاهم عن طريق كهنة البوذية .
الشنتو في العصر الحاضر :
يمكن القول بوضوح أن عقيدة الشنتو لا تزال باقية بين أفراد المجتمع الياباني من خلال منظمات أو وكالات تضم أعضاء من عبدة الكامي، وتدعو إلى ممارسات دينية معينة، فضلا عن قيامها بجمع التبرعات، حتى يتمكن غير القادرين من الحجاج المؤمنين بالشنتو إلى السفر إلى بعض المزارات، وحين أممت حكومة ميجي المزارات، صارت بعض منظمات الشنتو وبخاصة تلك التي كانت تقدس المزار الكبير في أوزومي فرقة مستقلة عرفت باسم منظمة طوائف الشنتو، وعلى كل حال فالمزارات تعد وسيلة لتطوير أو دعم العلاقة بين أهل الحي أو الدائرة السكانية، في سبيل دعم علاقتهم بعقيدة الكامي .
بعد الحرب العالمية الثانية ظهرت الحاجة إلى تدريب بعض الناس على أداء الشعائر والطقوس، وظهرت كتابات تهم الكهنة أنفسهم، وأخرى تهم الناس العاديين، بالإضافة إلى عقد الندوات والمحاضرات، كما أنشأت بعض المزارات دور حضانة ومدارس للتمريض وحتى ملاعب، وطبقا لإحصائية عام 1961 فقد كان هناك نحو مائة وثمانين دار حضانة داخل مزارات الشنتو، وارتفع العدد كثيرا هذه الأيام.14 ولا تقتصر المزارات هذه الأيام على تنظيم الاحتفالات والمهرجانات بل تسهم أيضا في دعم الشئون الاجتماعية والرفاه الاجتماعي والجمعيات الخيرية داخل الحي نفسه ، مما يؤكد على قوة عقيدة الإيمان بالكامي .
البوذيـة اليابانية:
يؤرخ رسميا لدخول البوذية إلى اليابان من شبه الجزيرة الكورية بعام 552م حين أرسل الملك بايكتشي بعثة إلى إمبراطور اليابان، ومعها بعض الهدايا من بينها تمثال بوذا وبعض نصوص السوترا، وهناك رواية في الحوليات اليابانية "نيهون جي " تشير إلى وصول تمثال بوذا إلى اليابان عام 545م وهناك إشارة أيضا إلى اختلاف مستشاري الإمبراطور في أمر قبول الدين الجديد، ثم الاتفاق على قبول فكرة بوذا كتجربة مؤقتة، وقد حدث خلاف بين الأسرات الحاكمة في اليابان نظرا للاعتقاد بأن الآلهة الوطنية غضبت، حين حول الإمبراطور سوجا قصره إلى معبد لبوذا، وتجلى هذا الغضب في شكل طاعون، فأحرق المعبد وألقي بتمثال بوذا في النهر، ورغم هذا التراجع وصلت عام 577م بعثة من كوريا، تلتها بعثة أخرى وشهد النصف الثاني من القرن السادس الميلادي تغلغل البوذية في اليابان، وطبقا للحوليات اليابانية، وجد في اليابان عام623م نحو 46 معبدا بوذيا و816 راهبا و569 راهبة .15
وأسهم الاتصال بالصين في انتشار البوذية بمدارسها المختلفة 16 كما كان دخول المدارس البوذية من الصين عاملا في دخول التعاليم الكونفوشية ومبادئها، وبخاصة تأكيد الانسجام والترابط ورفض كل ما يؤدي إلى خلخلة نظام البلاط ، وكان ذلك واضحا في دستور "شوتوكو " المسمى بدستور السبع عشرة مادة، وكان دستورا كونفوشيا بالدرجة الأولى، وقد جعل شوتوكو الأمور الدينية شأنا من شؤون البوذية ، بيمنا جعل الأمور الدنيوية شأنا من شؤون الكونفوشية، وأدرك أهمية الصين لتطوير الثقافة.
وهكذا تأسست مدينة نارا سنة 710م على شاكلة العاصمة الصينية " تشانك آن " وكانت أول عاصمة ثابتة تضم الحكومة وتضم المعابد والقصور، ووجدت البوذية قبولا بسبب ما قيل من أنها تحمى معتنقيها من الأمراض ، فكان الناس يرددون المواعظ البوذية ( نصوص السوترا المقدسة) دون فهم معانيها .. وكانت طقوس البوذية تمثل جزءا من احتفالات البلاط، ومع تأسيس المعابد المحلية صارت البوذية دينا وطنيا، وأقطعت الأراضي لبناء المعابد واعتبرت البوذية وسيلة لحماية الدولة، وبالتدريج ظهرت طوائف بوذية متعددة .17
انتقلت العاصمة من نارا إلى هييان مدينة كيوتو الحالية ( 794م ) وربما كان ذلك بسب تزايد نفوذ الطوائف البوذية في نارا، وتولى الإمبراطور( كامّو) تحديد عدد المعابد في المدينة التي أطلق عليها " هييان كيؤو " أي عاصمة السلام والهدوء، وهناك قام الراهب " سايتشو " بإذن رسمي ومنحة رسمية بتعيين حوالي مائة من اتباعه رهبانا على جبل هيئي القريب من العاصمة الجديدة، مما أثار غيرة طوائف البوذية في نارا18 وظهرت بوذية الصفوة أو بوذية الأسرار القاصرة على طائفة معينة، وظهرت فكرة المزج بين الشنتوية والبوذية أو فكرة الشنتوية الثنائية، خليط من الشنتو والبوذية، ولم يكن من العجيب أن يسيطر رهبان البوذية على مزارات الشنتو، ولم يكن هؤلاء يرون أي عجب في أن تمارس عقيدتان معا تحت سقف واحد ومن جانب أفراد بعينهم.
في حوالي سنة 1185م تمكنت أسرة ميناموتو من هزيمة معارضيها العسكريين، وبدأ عصر أطلق عليه عصر كاماكورا وعرفت حكومتهم بحكومة الشوجن أو حكومة كاماكورا العسكرية ، وفي عهدهم تطور نظام الإقطاع ونما كثيرا وتغيرت وجهات النظر تجاه البوذية نتيجة للمتغيرات السياسية والاجتماعية، ورأت حكومة كاماكورا ضرورة دفع البوذية إلى منحى جديد يؤكد على النجاة من الخطيئة، وكان هذا المنحى نابعا من تقلبات حياة المقاتلين أنفسهم ، وأصبحت البوذية لأول مرة دينا شعبيا، وتواكب نشر البوذية بين الشعب مع تأميمها، فكانت تقدم على أنها عقيدة يابانية خالصة، فقد طورت الطوائف البوذية العقيدة على مر السنين حتى صارت في عصر كاماكورا تمثل المشاعر اليابانية الصادقة، ومن هنا صعد نجم عقيدة الزن البوذية التي استوردت أساسا من الصين، وأثرت عقيدة الزن على جميع جوانب الحياة الأدبية والفنية والمعمارية وغيرها .. فتناول الشاي يعني لدى طائفة الزن إيجاد تجربة معينة من خلال التواجد في محيط الطبيعة من أجل فهم وإدراك المقدس أو التفكر في الإله والتدبر في خلقه، كما أن الفنجان يتحول من طين إلى فخار ثم إلى فنجان شاي، فكذا الإنسان يتحول إلى وعاء له قابلية استقبال التنوير، والبوذية وإدراك الطبيعة يكون عن طريق إدراك الذات، ولهذا فالزن تؤكد كثيرا على إدراك الذات للوصول إلى الخالق .
وقد تحولت عقيدة الزن إلى عقيدة للدولة، وظهر رهبان لهم شخصيات متباينة، أسهموا في نشر عقائدهم بين الناس، وأسسوا فرقا مختلفة، كان لها أثرها في المجتمع الياباني، إلا أنها أثرت سلبا على البوذية في العقد الأخير من القرن السادس عشر الميلادي، فحدث تدهور مؤقت للبوذية في ظل استتباب الحكم المركزي في " إيدو "، طوكيو حاليا.
وتم وضع البوذية وتحديدها ضمن قانون عرف باسم القوانين المحلية المتعلقة بالفرق والمعابد (نشر ما بين عام 1610-1620م ) وهكذا سيطرت الحكومة على المعابد المرتبطة بالبلاط، بينما كانت القوانين المشار إليها تقف ضد النصرانية ومن هنا لم يكن هناك ما يزاحم البوذية مدة قرنين ونصف، كما قاربت القوانين بين البوذية والشنتو، وطلبت من الناس تسجيل أنفسهم في أقرب معبد بوذي، بصرف النظر عن طوائفهم، كما حدت أياما للحضور الإجباري،وكان المعبد يحتفظ بسجلات أعضائه أو أتباعه، وأدى هذا إلى وجود علاقة بين المعبد وأتباعه والحكومة أيضا، وهكذا تحولت البوذية إلى أداة في يد الحكومة .
وهنا نشير إلى أن الكونفوشية كانت تتمتع بالحماية الرسمية لكنها لم تغتصب شيئا من البوذية لأنها لم تصبح أبدا دينا بالمفهوم الذي كانت عليه البوذية.
لكن البوذية فقدت مكانتها بعد الاهتمام بالشنتو لتعلن دينا للدولة ( عام 1868م ) فقد ظهر اتجاه داخل أسرة طوكوجاوا حين طبع ميتسوكوني ( ت 1700) كتابه داي نيهون شي أي "تاريخ اليابان" بالتركيز على كل ما هو ياباني، ولم يعارض الكونفوشية لكنه هدم ألف معبد بوذي في أقاليمه فقط، وانتشرت حركة الشنتو في القرنين 18 و 19 حتى حققت الشنتو مكانة سياسية في البلاد في ظل الاهتمام بكل ما هو ياباني، ولم يظهر أي بطل يدافع عنها كعقيدة .
حين بدأت حركة ميجي الإصلاحية وصدر دستور ميجي الشهير عام 1889م صدر قانون يطلق حرية الأديان وكان قد سبق صدوره بعام واحد، القضاء على المؤسسات البوذية وتجريد المعابد من الأوقاف، ثم تفريغ القصر الإمبراطوري من رموزها وشعاراتها، وتم نقل تماثيل البوذية من مزارات الشنتو وترافق هذا مع تأسيس الهيئة الحكومية للشنتو، وصدر مرسوم بقطع الصلات الرسمية بين البوذية والشنتو، ونادت الحكومة بجعل الشنتو دينا وطنيا .20
اضطر أتباع البوذية إلى إجراء تحديث أو تجديد ديني لمواجهة الظروف فأرسلوا بعثات إلى أوربا وأمريكا، وأعلنوا أن عقائدهم لا تتعارض مع عقائد النصرانية، رغم أنها تتفوق علها، وانضمت البوذية إلى الاتجاه الوطني، وهاجمت النصرانية باعتبارها عنصرا أجنبيا، وكان على البوذية خلال عصر ميجي أن تتوافق مع التغيير السريع جدا، الذي كان يسود عموم اليابان.
الكونفوشية وعقائد اليابانيين :
كما ذكرنا لم تكن الكونفوشية التي انتقلت تعاليمها إلى اليابان من الصين دينا أو عقيدة، وأكثر من هذا فإن الفلاسفة اليابانيين البارزين مثل " إينازو نيتوبيه " يرون أن البوشيدو استوحت فضائل الكونفوشية واعتمدتها في تكوينها المتعلق بالأخلاق، فإقرارها للمبادئ الأخلاقية الخمسة ما بين السيد والمسود، والحاكم والمحكوم، والأب والابن، والزوجين والأصدقاء، إنما هي جميعها تؤيد ما كانت تتمخض عنه الغريزة اليابانية قبل تسرب تعاليم كونفوشيوس إلى اليابان قادمة من الصين.21
ومن الجدير بالذكر أن الكونفوشية دخلت اليابان عن طريق كوريا في النصف الثاني من القرن الرابع الميلادي، ولم يكد القرن السادس ينتهي حتى كانت اليابان قد بدأت بإرسال وفود إلى الصين لدراسة ثقافتها، وكانوا ينظرون إلى الصين كنموذج ومثال على الحكم القائم على السلطة المركزية في يد الإمبراطور وكنموذج على تجسيد الفكر الذي يدعم هذا النظام، ويتجسد هذا النظام الفكري في الكونفوشية، وهكذا ومنذ عصر الأمي ر شوتوكو
(604م تقريبا) أخذت اليابان عن الصين القديمة مؤسساتها الاجتماعية والسياسية، وعوملت باحترام شديد على أنها طقوس، كما أخذت الجوانب الأخلاقية من أجل تطبيق طقوس الحياة، وكيف يمكن للإنسان أن يكون بطبعه أو بشكل تلقائي إنسانيا22.
تعايشت الكونفوشية مع النظام الإقطاعي الياباني ومع السامورائ كما تطورت لتشمل أيضا الطاوية المكملة لها، وفكرة الطريق التي تقول بها الطاوية كان لها أثر كبير على الثقافة اليابانية ، بالإضافة إلى دعم البعد الروحي أو الصوفي للبوشيدو، وقد تم التعبير عنها من خلال فن الخط والكتابة ( شودو )، وفن تنسيق الزهور (كادو) وفن المبارزة بالسيف (كيندو )، وفن المصارعة اليابانية (جودو) وبقية جوانب الثقافة اليابانية، وكان ذلك خلال عصر طوكوجاوا.
وظهرت البوشيدو أي طريق الفارس او السامورائ حين ظهر من جديد الشعور الأخلاقي للفرسان المحاربين، وبدأ هذا الشعور يتعمق عن طريق اتصال صفوة منهم بالفكر الكونفوشي خلال عصر الإقطاع 23 وقد ظهرت في اليابان مدارس للفكر الكونفوشي ساعدت على انتشارها بين اليابانيين ، مما جعل المجتمع الياباني ينقسم خلال فترة من تاريخه طبقا للنظام الكونفوشي إلى طبقات: أي السامورائ، والزراع، والحرفيون، والتجار.
وتمسكت المؤسسات اليابانية في ظل حكومة الإصلاح في العصر الحديث بمبادئ الكونفوشية الرامية إلى الحفاظ على العلاقات بين الكبير والصغير والرئيس والمرءوس، ورغم التغييرات التي حدثت فإن هناك ما يدل على أن قيم الكونفوشية لا تزال باقية داخل المجتمع الياباني ومتغلغلة بين أفراده.
النصرانية :
في سنة 1549م اتجه فرانسيس زافيير أكبر منصر في جزر الهند الشرقية إلى جزيرة كيوشو اليابانية، وفي نيته لقاء إمبراطور اليابان24 ووصلها في شهر أغسطس، وفي غضون سنة تنصر على يديه نحو 150مواطنا يابانيا، وبعد سنتين وشهرين تقريبا تنصر ألف ياباني، ثم ارتحل فرانسيس زافيير إلى كيوتو العاصمة، لكنه فشل في تحقيق أي نجاح، فعرج على ياماجوتشي غرب اليابان سنة 1551م، حيث تمكن من تنصير 600 ياباني، وفي سنة 1582م ذكرت التقارير التي أرسلت إلى روما أن عدد المتنصرين اليابانيين وصل نحو مائة وخمسين ألف ياباني على يد خمسة وسبعين عضوا نشطا من هيئة اليسوعيين، وكان الحكام المحليون يريدون الاستفادة من التجارة البرتغالية، ومن ثم تعاون التجار مع الإرساليات اليسوعية، وكان الهدف تنصير الحكام، وقد تحقق الهدف إلى حد ما في المدن الساحلية، بينما توقف التنصير في المدن الداخلية، ويقال بأنه خلال خمسين سنة تحول 300 ألف ياباني إلى النصرانية، وتحولت قرية نجاساكي التي كانت تعيش على الصيد إلى ميناء تجاري لليابان، تحت إمرة نصرانية سنة 1638م .
وفي ظل هذه الظروف بدأ الخوف يدب في قلوب رجال الدين البوذيين في اليابان من جراء المنافسة الخطيرة، بينما خشي الحكام العسكريون أن يصبح من تنصروا أكثر ولاء لبابا روما من ولائهم لوطنهم، وهكذا قام طوكوجاوا إياسو سنة 1614م بقمع النصرانية بشدة بعد أن قضى على معارضيه السياسيين، واستمر يعاقب أعداءه ويعاقب من تنصر من اليابانيين ، وكان يخيرهم بين العقاب وبين ترك النصرانية ، وتم القضاء على النصرانية، وقطعت اليابان علاقتها مع العالم الخارجي سنة 1639م إلا أن بعض النصارى أخفوا عقيدتهم سرا لمدة 235 سنة .
فتحت اليابان حدودها للعالم ، وهكذا وصل إلى كيوتو قس كاثوليكي عام 1859م ليعمل في سفارة فرنسا في إيدو ( حاليا طوكيو ) وفتحت الكنيسة الرومانية الكاثوليكية أبوابها في نجاساكي سنة 1865م، فزارها بعد شهر آلاف المتنصرين اليابانيين، وبدأت الكنيسة الكاثوليكية تنشط قليلا بسبب سياسة التسامح التي تتبعها الحكومة، ومما لا شك فيه أن الدستور الجديد في عهد ميجي الذي أعلن عن حرية الدين أفسح المجال للإرساليات التنصيرية للعمل بحرية، كما أن النصارى لعبوا دورا في دفع عجلة التعليم في اليابان، وعلى الأخص تعليم البنات، ويرى بعض الباحثين أن التسامح مع النصرانية كان في صالح اليابان، كما أن الحركة الاشتراكية في اليابان تدين بوجودها للنصرانية، فقد فكر كثير من النصارى في الاشتراكية كوسيلة لتطبيق المثاليات النصرانية، وصار هؤلاء بالتالي قادة للحركة العمالية الأولى في اليابان.
وهكذا وبالتدريج امتصت النصرانية شيئا من الديانات الأخرى في اليابان بصرف النظر عن المثال الصارخ للتوفيق بين المعتقدات الدينية المتعارضة في عقيدة الشنتو والنصرانية الذي نتج عنه ما يسمى بالنصرانية اليابانية ( نيهون تيكي كريستو كيو ) .25
وعلى كل حال من الملاحظ أن النصرانية لم تتمكن من مخاطبة اليابانيين خطابا ذا معنى في المجتمع المعاصر مما أدى بالتالي إلى تدجين النصرانية أو تحويلها إلى عقيدة محلية أو وطنية بعد أن احتفل اليابانيون سنة 1959 بذكرى مرور مائة عام على دخول النصرانية بلادهم .
وقد ظهرت طوائف نصرانية جديدة في اليابان من بينها طائفة الموحدين القائلة برفض التثليث والقول بالتوحيد، توحيد الرب وطائفة الطريق وهي تحاول التوفيق بين النصرانية والكونفوشية وحركة توحيد العالم في روح المسيح وغيرها 26 وظهرت طوائف شبيهة مثل طائفة إهوبا وغيرها .
وإذا كان عصر ميجي 1868م-1912م قد أسهم في انتشار النصرانية فإن سنوات الاحتلال الأمريكي لليابان بعد الحرب العالمية 1945م - 1952م قد أسهمت هي أيضا في انتشار النصرانية لكن يظل السؤال المهم هو إلى أي مدى قبلت النصرانية كحركة أخلاقية؟! وإلى أي مدى بقيت كديانة في قلوب وأذهان اليابانيين ؟ وهو سؤال حائر لا يزال قائما في الأذهان دون جواب .
ظهور ديانات جديدة وأثر الموروث الديني في اليابان:
انصرف اليابانيون في معظمهم عن الانتماء للشنتو أو البوذية أو حتى النصرانية كديانات تقليدية في اليابان، بينما اتجه من شعروا بالحاجة إلى الدين إلى المعتقدات الخرافية أو حتى إلى حركات شعبية لها طابع ديني، شكلت تجمعا أطلق عليه الديانات الجديدة، فكانت هذه الديانات تسد حاجة الياباني، وميله إلى تكوين تجمعات خاصة ، دون أن توجد فيه مشاعر جديدة تحث على البحث عن خالق الكون ، وقد تشكل مجلس الديانات الجديدة27 سنة 1952م للإشراف على الجانب الدعوي للديانات الجديدة ، وله مجلة صفحاتها مفتوحة لأقلام جميع الأعضاء.28 وتهتم الديانات الجديدة بالقيم الدنيوية أكثر من اهتمامها بالحياة بعد الموت، وتركز على مقولات تجذب الأفراد مثل تحسين الذات وتحقيق السعادة من خلال الإيمان أو حتى من خلال الممارسات السحرية، والديانات المعترف بها تصل بالمئات29 أو بالتحديد 171 كما تقرر الإحصائيات الرسمية.30
لكن يبدو أن إحياء الموروث الديني القديم كان ضرورة لسد احتياجات الحياة اليومية التي مثلت لدى اليابانيين أهمية كبيرة أكثر من حاجتهم للهيئات الدينية المختلفة، والموروث الديني والمعتقدات الدينية اكتسبت من الشنتوية والبوذية والطاوية والكونفوشية وغيرها من العقائد، والموروث الديني لا يقوم على عقيدة معينة أو تنظيم معين، ولا يهدف إلى كسب أتباع أو نشر عقيدة ما، بل هو عادات وتقاليد انتشرت بين الناس.
وهذا الموروث الشعبي بما يتضمنه من احتفالات وأعياد ومهرجانات وممارسات تتم على مدار العام، يؤكد ليس فقط على الأفكار بل على الشعائر والطقوس ذاتها، وهذا الموروث الديني كان عبر تاريخ اليابان ، مصدر الكثير من الحركات الدينية الجديدة.
فهناك موروث ديني يتعلق بالإله والروح والعقاب والثواب والمحرمات، وهناك شعائر وطقوس تمارس على مدار السنة مثل : الاحتفال بالعام الجديد، والاحتفال بيوم الاعتدال الربيعي، ويوم الاعتدال الخريفي، والاحتفال بمهرجان الزهور، أو مهرجان النجوم أو عيد الموتى وغيرها31. والحقيقة أن الموروث الديني يبدو واضحا في حياة اليابانيين المعاصرة، ويبدو هذا جليا في انصراف اليابانيين عن الديانات التقليدية وميلهم إلى الموروث الشعبي الخاص بالدين ، وقد ظهر هذا الموروث أحيانا في شكل الديانات الجديدة مثل ريوكاي، ومثل سوكا جاكّاي، وأوم شين ريكيو والأخيرة نحت منحى إرهابيا أدى بالحكومة إلى محاكمة زعمائها ِ32
الإسلام:
يأتي الآن الحديث عن الإسلام في اليابان، وربما يكون من المفيد اقتصار الحديث على الخطاب الديني الإسلامي من خلال مناقشة الخطاب الإسلامي الياباني - الياباني في اليابان، والخطاب الإسلامي غير الياباني في اليابان في تسلسل تاريخي يصل بنا إلى ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر .
يمكن القول بأن الصلات المبكرة بين اليابان والعالم الإسلامي ترجع إلى سنة 1871م، وتمثلت في زيارات متبادلة بين اليابانيين والأتراك في عهد السلطان عبد الحميد الثاني 33 وقد أشار السلطان عبد الحميد في مذكراته إلى قلق الروس من تنامي العلاقات التركية اليابانية.34
وقد اهتم الأعلام الأوربي بهذه المسألة، وأشارت صحيفة ماي نيتشي اليابانية الصادرة في الرابع من أغسطس 1893م إلى ذلك، وإلى إسلام بعض اليابانيين ممن وصلوا إلي تركيا. ويذكر أن الدولة العثمانية وسعت نشاط فكرة الخلافة الإسلامية إلى أن وصلت إلي الصين واليابان، ويذكر الجرجاوي صاحب الرحلة اليابانية أن السلطان أرسل سعادة برتو باشا أحد قادة الجيش العثماني إلي اليابان لما قامت الحروب الروسية اليابانية 1904-1905م.35 وعلى كل حال فقد أسلم خليل يامادا في تركيا ومعه شوتارا نودا بينما أسلم بون باتشيرو أريجا في الهند .
وبدا أن بعض اليابانيين يدخلون الإسلام لأسباب متعددة منها فرض الإسلام عليهم لأسباب سياسية، وتظل قصة إسلام ميتسو تارو ياماوكا أول حاج ياباني محل تساؤلات عدة36 وترتبط قصة سفره للحج بالداعية عبد الرشيد إبراهيم التاتاري الذي قدم إلى اليابان عام 1909م .
مؤتمر الأديان بين الحقيقة والخيال:
إذا كان الجرجاوي قد زار اليابان وكتب عن زيارته لها كتابا نشر في حينها وترجم إلى الأردية بعد صدوره بعام واحد، فإن البعض يحاول التشكيك في فكرة عقد مؤتمر الأديان، إلا أن القرائن تؤكد على أن مؤتمرا عقد في هذه الفترة التي شهدت نوعا من الانفتاح على الثقافات، فطبقا لما ذكره برتو باشا الذي بقي في بلاط الإمبراطور ميجى أثناء الحرب الروسية اليابانية فإن الإمبراطور ميجي طلب من السلطان عبد الحميد إرسال علماء مسلمين، يمكنهم شرح روح الإسلام وتنوير الشعب الياباني، وشعر السلطان بأن الشعب الياباني سيعتنق الإسلام إذا ما أُرسل إليهم دعاة مؤهلين ومخلصين لدين الله، وهكذا فمن الممكن أن يكون الإمبراطور قد طلب التعرف على الدين الإسلامي عن طريق الدعوة إلى عقد مؤتمر الأديان في طوكيو عام 1906م.
وطبقا لما جاء في مذكرات السلطان عبد الحميد فقد كان الإمبراطور يود التعرف أكثر على أسلوب الحياة الاجتماعية في الإسلام، وعلى مفهوم التضامن بين المسلمين، وعلى نظام الوقف الإسلامي المعمول به في الدول الإسلامية37 وذكر الباحث الكوري هي سو لي بأن الخليفة أرسل بعض الكتب لا الدعاة، بينما ذكر الجرجاوي بأن الخليفة أرسل مندوبا عنه حضر مؤتمر الأديان، وألقى فيه خطبة شرح فيها مبادئ الإسلام.38
في نفس الوقت أسس بعض الأشراف والنبلاء في اليابان جمعية باسم " الجمعية اليابانية للبحث في حقائق الأديان " وقرروا عقد مؤتمر للبحث في المعتقدات الدينية،وطبقا للباحث الكوري فإن الهدف الأساس من المؤتمر– طبقا للوثائق المتوفرة لديه – كان دراسة مبادئ الإسلام . كما نشرت جريدة ( تركمان جازيت ) الصادرة في " بهاتشي سراي " خبر الدعوة إلى المؤتمر، وذكرت الشيء نفسه جريدة إقدام الصادرة في استانبول وذكرت صحيفة تشيو جاي كوهو (بجيم قاهرية) المؤتمر وكذا صحيفة جابان تايمز.39
وهكذا يمكن القول بأن عبد الرشيد أفندي إبراهيم نشط في مجال الدعوة الإسلامية، ثم كان قدوم الجرجاوي المصري والدكتور محمد حسين الهندي، ومولوي بركة الله الهندي وواكب ذلك كله تأسيس بعض المساجد منها مسجد كوبيه عام 1935م ومسجد طوكيو عام 1938م الذي كان للداعية محمد عبد الحي قربان علي، الفضل الكبير في العمل على بنائه ، وقد أقام مدرسة ومطبعة بالحروف العربية، وأصدر مجلة شهرية بالتركية التتارية.
جمعيات يابانية لدراسة الإسلام ( قبل الحرب العالمية الثانية)
ظهرت قبل الحرب العالمية الثانية جمعيات تهدف إلى دراسة الإسلام من أهمها: الجمعية الإسلامية لليابان العظمى التي كان يرأسها رئيس وزراء اليابان سنجيورو هياشي ( مات 1943م ) ومعهد الثقافات الإسلامية دايتو بونا كاوكو إين، وقد تم حظر الجمعية الإسلامية قبيل الحرب العالمية الثانية ، وظهرت مكانها جمعية خاصة تسمى جمعية الدراسات الإسلامية، ورغم طابع هذه الجمعيات الديني إلا أن أعضائها في الأغلب كانوا من غير المسلمين، وقدم إلى اليابان بعض المسئولين والباحثين والعلماء من البلاد الإسلامية مثل حفيد سيد أحمد خان السير سيد مسعود الذي زار الجامعات وألقى بعض المحاضرات ، ومثل البروفسر نظير الحسن أحمد برلاس الدهلوي الذي كان يعلم الأردية ، ومثل ميان عبد العزيز رئيس الرابطة الإسلامية لعموم الهند الذي حضر حفل افتتاح مسجد كوبيه، وألقى عددا من المحاضرات، ومثل الشيخ حافظ وهبه وآخرين ممن حضروا حفل افتتاح مسجد طوكيو عام 1938م ، ونشط عدد من المسلمين اليابانيين في مجال التعريف بالإسلام مثل الحاج محمد نور تناكا إيبيه، وموموتارو اينوموتو، ومحمد عبد المنعم هوسوكاوا والحاج محمد صالح سوزوكي تاكيشي ، وصادق إيزومي، وصدرت أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم عام 1920م كما صدرت الترجمة الثانية عام 1930م.
ومن الملاحظ من خلال استقراء الأحداث والعلاقات المتشابكة أن اليابان لم تكن تهدف إلى التعرف على الإسلام كدين وعقيدة بقدر ما كانت تهدف إلى التعرف على شعوب العالم الإسلامي وعلى الحياة الاجتماعية في الإسلام، وعلى نظم الدولة الإسلامية الإدارية للاستفادة منها . وكان للظروف السياسية الداخلية في اليابان دور في قبول وجود الدعاة على أرضها أو رفضهم .40 ويذكر أنه في عام 1873م سنت الحكومة بعض القوانين محاولة التدخل في عقائد الناس في اليابان، فحدث تذمر أو ما أطلق عليه انتفاضة في مارس 1873م ، اشترك فيها عشرون ألفا من أتباع طائفة الشين مطالبين بالحرية الدينية ..
وقد شرح البروفسور برلاس الدعاية التي انتشرت في العالم الإسلامي عن انتشار الإسلام في اليابان بقوله: " .. هذه الأخبار عارية من الصحة فلا الإمبراطور أسلم ولا يوجد عشرون ألف ياباني مسلم، وليس لدى حكومة اليابان أي استعداد لبناء مسجد !!"41 ( مجلة معارف الهندية مجلد 35 عدد 5 سنة 1935 ) لكني أظن أن الرجل كان متشائما، لأن مسجد كوبيه أفتتح، وبني مسجد طوكيو بعد عدة سنوات .
الإسلام بعد الحرب العالمية الثانية:
بعد الحرب العالمية الثانية كفل الدستور الجديد حرية الدين لجميع اليابانيين، وسمح لكل ياباني بأن يعتقد ما يراه مناسبا من دين وأن يمارس الشعائر التي يؤمن بها، وهكذا تأسست جمعية مسلمي اليابان في فترة حصلت فيها معظم الدول الإسلامية في إفريقيا وآسيا على استقلالها، وفتحت لها سفارات في اليابان وبدأت اليابان تهتم بدراسة لغات الشعوب الإسلامية والتعرف على الدراسات الإسلامية من منابعها بشكل مباشر، فسافر عدد من الدارسين اليابانيين إلى البلدان الإسلامية، وقدمت الجامعات العربية والإسلامية المنح للطلاب اليابانيين ولعبت السفارات العربية والإسلامية دورا إيجابيا في دعم المسلمين اليابانيين .
نشطت جمعية مسلمي اليابان منذ تأسيسها 1952م أو 1953م وبعد ذلك تأسست المركز الإسلامي العالمي الذي تحول إلى المركز الإسلامي في اليابان عام 1974م، وله جهود مشكورة في مجال الدعوة، وهناك اتحاد للجمعيات الإسلامية في اليابان تأسس عام 1976م يضم عددا من الجمعيات الإسلامية42 وهناك اتحاد جمعيات الصداقة الإسلامية، وجاء تأسيس المعهد العربي الإسلامي في طوكيو بمثابة دفعة قوية للتعريف بالإسلام والثقافة الإسلامية.
ومن الجدير بالذكر أن الدارسين اليابانيين اهتموا بترجمة معاني القرآن الكريم فصدرت ترجمة شومي أوكاوا في فبراير 1950م وترجمة توشيهيكو إيزوتسو عام 1957 وترجمة أسامو إيكيدا وياسوناري بان سنة 1970 ثم توج ذلك بترجمة الحاج عمر ميتا التي صدرت طبعتها الأولى عام 1972م والثانية عام 1982م .
كما شهدت هذه الفترة تأسيس عدد كبير من المساجد مثل مسجد اوسكا عام 1977م ومسجد المؤتمر الإسلامي في شنجكو ومسجد المعهد العربي الإسلامي، وأعيد بناء المسجد الجامع في طوكيو ثم أسست مساجد صغيرة أو مصليات عديدة في طوكيو وما حولها وصل عددها أكثر من 30 مصلى .
وصدر عدد كبير من الكتب الإسلامية بعضها مترجم وبعضها مؤلف وظهرت مجلات إسلامية يحررها يابانيون وغير يابانيين، وبدأت اليابان تخطط لعقد ندوات ومؤتمرات، وتخطط لمشاريع بحثية انتهى بعضها ولا يزال الباقي في طور التنفيذ.
ونتوقف هنا لكي نحلل بأسلوب محايد الخطاب الديني الإسلامي في اليابان الذي يمكن تقسيمه تاريخيا إلى:
فترة البدايات
فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية.
فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
فترة ما قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر
فترة ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
1- فترة البدايات
شهدت فترة البدايات رغبة بعض المثقفين اليابانيين في التعرف على الإسلام من خلال قراءتهم لما كتبه الغربيون، وما ترجم من هذه الكتب إلى اللغة اليابانية، ولم تكن العلاقة المبكرة بين اليابان والعالم الإسلامي تهدف إلى التعرف على الإسلام كعقيدة، بقدر ما كانت تهدف إلى التعرف على حياة المسلمين أنفسهم في بلادهم، وقد تأثر بعض اليابانيين بالحياة الإسلامية في تركيا والهند، وأعلنوا إسلامهم ، لكنهم لم يعملوا على دعوة أبناء جلدتهم إلى الإسلام وإن كان أحمد أريجا الذي أسلم في الهند سعى إلى نشر ترجمة لمعاني القرآن الكريم باليابانية . ونشير هنا إلى أن المؤتمر الديني الذي عقد سنة 1906م لبحث موضوع الأديان وقيام الجرجاوي ومعه بعض المسلمين بالدعوة إلى الإسلام يحتاج إلى دراسة متعمقة . والحق أن هناك كتابات صدرت عن يابانيين تتعلق بالإسلام نشرت في السنة السابقة للمؤتمر وربما كانت إرهاصات لإثارة التساؤل الأكبر والرغبة في التعرف على الإسلام من أهل الإسلام أنفسهم.
أما الساسة اليابانيون فكانوا حريصين على التعرف على نظام الخلافة وقدر الخليفة في قلوب المسلمين43 كما أنهم كانوا يقدرون قوة العالم الإسلامي لو اتحدت أقطاره معا، ويتمنون لو أن الإسلام قدم إلى اليابان.44 لكنهم أشاروا إلى مسألة تعدد الزوجات كأمر غير مقبول وفهموه على انه من شروط الإسلام.45
ويرى عبد الرشيد إبراهيم أن النصارى سعوا لدى الحكومة اليابانية من اجل منع المسلمين من الدعوة إلى الإسلام في اليابان وبخاصة ابتداء من عام 1906م حين عقدوا اجتماعا بهذا الهدف إلا أن الحكومة اليابانية رفضت لأن الدستور يرى بأن لا تتدخل الحكومة في مسألة الدين ، ومن هنا بدأ النصارى أنفسهم في العمل ضد الإسلام، فأصدروا كتاب " محمد " فيه افتراءات على الإسلام46 ووزعوه في القرى والمدن مجانا ونشر المنصرون الأوربيون والروس كتبا أخرى من هذا القبيل.
حاول بعض المسلمين المقيمين في اليابان كشف الحقائق فقام اليوزباشي أحمد فضلي المصري الذي كان يقيم في بلدة نيبوري المجاورة لطوكيو ( آنذاك )47 مع عبد الرشيد إبراهيم بإلقاء ثلاث محاضرات بالإنجليزية ترجمها إلى اليابانية السيد / بابا المحرر في جريدة جابان تايمز، وقد كان لهذه المحاضرات صدى كبير لدى اليابانيين، ونشرت مقتطفات منها في الصحف اليابانية.
ويشيد عبد الرشيد بأحمد فضلي كأول من تكلم في أوساط المجتمع الياباني يبين حقائق الإسلام .
ظهرت في هذه الفترة المبكرة كتابات بأقلام يابانيين وغير يابانيين دافع بعضهم فيها عن الإسلام وعن نبي الإسلام ، ومن هؤلاء السيد ميهارا صديق و فضلي وعبد الرشيد ، وهكذا بدأ اليابانيون يتعودون على سماع كلمة الإسلام .
وتمنى بعضهم وهو غير مسلم أن يدفن إذا مات في مقابر المسلمين وكان ذلك قبل الحرب اليابانية الروسية48 ومن العجيب أن يغضب بعض اليابانيين حين خلع السلطان عبد الحميد وأدخل السجن ، فقد استنكروا أن يهان الخليفة بهذا الشكل ، وابدوا رغبتهم في تنظيم مظاهرات استنكار.49
وعلى كل حال شهدت فترة البدايات تلك اهتمام اليابانيين من غير المسلمين بنشر أبحاث مختصرة عن القرآن الكريم أساسا ثم عن مبادئ الإسلام ، من ذلك نجد :
نوكاريا راكؤو ( وينطق أيضا كاي تين ) الذي كتب بحثا في 28 صفحة نشره على حلقتين بعنوان:
( حول القرآن ) في 5 يونيو 1905م وفي 5 يوليو 1905م .
كما كتب فوجيتا كيسؤو أيضا سلسلة مقالات بعنوان ( عن القرآن ) نشرها تباعا في يناير مارس ومايو ويوليو من عام 1907م، وكان عدد صفحاتها تباعا: 5 ، 8 ، 15 ،3 صفحات . ثم كتب في اكتوبر من العام نفسه مقالا بعنوان: (طبعات وترجمات معاني القرآن الكريم ). وفي العام التالي نشر سلسلة مقالات بعنوان ( عن الكتاب المقدس في الإسلام ) ويقصد القرآن الكريم نشرها في شهور ابريل ويونيو ويوليو من عام 1908م .
وكان نوكاريا راكؤو سابق الذكر مهتما بالإسلام فنشر أيضا بحثا بعنوان ( عن المحمديين ويقصد عن المسلمين ) نشر الجزء الأول منه في الثاني من يناير عام 1905م ( 18 صفحة ) كما نشر الجزء الثاني في الخامس من يناير عام 1905م كما كتب أيضا بحثا بعنوان الأديان قبل محمد ، نشره في سبتمبر عام 1905م وكان قد نشر في مارس من نفس العام بحثا بعنوان محمد والمسيح وبوذا في عشر صفحات .
وهناك من اهتم أيضا بمقارنة الأديان مثل آوكي ريتسوهيكو الذي ترجم عن الألمانية كتاب البوذية والإسلام والنصرانية ( مؤلفه يدعى ((Farke,Robat ونشره في يوليو 1903م
ويبدو أن بعض المفكرين اليابانيين اهتموا بالإسلام ومقارنته بتعاليم الديانات الأخرى فقد نشر كاتو كين (بكاف فارسية) إيتشي كتابا في 390 صفحة مع مقدمة في 12 صفحة بعنوان التاريخ المقارن للديانات الشرقية والغربية نشره في نوفمبر من عام 1903م ، ثم كتب مقالة كانت على ما يبدو خلاصة لما ورد عن الإسلام في كتابه ، نشرها في بعنوان مغزى الإسلام في تاريخ ديانات العالم نشرها في إبريل عام 1907م ، ونشر مقالة أخرى في ثلاث صفحات فقط بعنوان الإسلام من وجهة نظر شنتوية وقد نشرها بعد سنوات عديدة أي سنة 1938م في يونيو .
وفي سنة 1910 صدر كتابا عن الإسلام، نشرته جمعية اليابان العظمى للحضارة:
(Greater Japan Association of Civilization)، ضمن سلسلة ديانات العالم .
وظهر بعد ذلك بسنوات قليلة من كتب عن عقائد الإسلام وهو تاكانو شؤوجي الذي نشر بحثا بعنوان عقائد الإسلام وفرائضه نشره في مارس عام 1916م ، وبعدها بسنتين كتب سئيكاوا ( بكاف فارسية ) كاميه كتابا بعنوان الإسلام في 262 صفحة مع مقدمة من أربع صفحات ومدخل من عشر صفحات وقد نشر كتابه في ابريل عام 1918م .
ومما لا شك فيه أن المسلمين من غير اليابانيين قد أسهموا بقدر ما لديهم من إمكانيات في التعريف بالإسلام فمولوي بركة الله الهندي الذي وصل طوكيو عام 1909م ليعمل أستاذا للغة الأردية في جامعة طوكيو للدراسات الأجنبية انضم إلى اليوزباشي المصري احمد فضلي وإلى عبد الرشيد إبراهيم التتاري التركي ، وأسهم فضلي في إصدار مجلة الاخوة الإسلامية التي أسسها مولوي بركة الله في طوكيو ما بين عام 1910 –501912 ومما يذكر أنه قد أسلم على يد بركة الله الكونت الياباني هاتانو وتسمى بحسن هاتانو وقد أسلم هاتانو وزوجته ووالد زوجته وأصدر هاتانو جريدة Gunjin و Islam بعد وقف الأخوة الإسلامية ، وفي سنة 1918 اصدر مجلة Islamic Brotherhood وهي مجلة شهرية مصورة بالإنجليزية.51
أما على المستوى الرسمي فقد دفعت الحكومة اليابانية شابا يدعى ياماوكا للدخول في الإسلام ، إذ كانت تريد إرساله إلى الحجاز فكان لا بد من أن يعلن إسلامه ، وقصة إسلامه تدل على أن الخطاب الإسلامي في اليابان لم يكن واضحا على الإطلاق حتى عام 1909م ، وهو العام الذي ذهب فيه يا ماوكا أو عمر ياماوكا للحج ، إلا أن صفوة المفكرين اليابانيين كان لديها تصور واضح عن الإسلام وتعاليمه ، وهنا نشير إلى نموذج واحد ، ونقصد المفكر والفيلسوف الياباني إينازو نيتوبيه الذي نظّر للبوشيدو روح اليابان التي تعد الدستور الأخلاقي لليابان ليرد على الاتهام الذي يوجه عادة لليابان ، بأنه لا دين لها على حد قوله ، فهو يرفض هذه المقولة رغم أنه اعتنق النصرانية !! .
وقد أشار في كتابه الذي كتبه عام 1905م إلى جوانب في الفكر الإسلامي ، كما اقتبس من القرآن الكريم ما يدل على فهم عميق للإسلام وتاريخه ،ومعرفة جيدة للسيرة النبوية.52
2- فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية:
كان الخطاب الإسلامي في اليابان في فترة ما قبل الحرب العالمية خطابا مؤثرا ، وربما لعبت الظروف السياسية دورا في هذا الأمر ، فقد هاجر عدد كبير من مسلمي تتارستان ، ووجدوا ترحيبا من المسئولين اليابانيين ، كما حرصت اليابان على كسب ود مسلمي الصين الذين كانوا يمثلون قوة لا يستهان بها.53 ، ومن ناحية أخرى كانت اليابان تنظر بعين العطف إلى الهند ، وسمحت للتجار الهنود وكان منهم كثير من المسلمين بالعمل في اليابان ، وهكذا أثمر تجمع التجار الهنود بناء مسجد كبير في ميناء كوبيه عام 1935م ، كما أثمر نشاط الجمعية التركية برئاسة قربان علي ، الذي انضم إليه عبد الرشيد إبراهيم بعد عودته إلى اليابان سنة 1933م بناء المسجد الجامع في العاصمة طوكيو عام 1938م ، واعترفت الحكومة اليابانية بالاسلام دينا بجانب النصرانية وغيرها ، وهكذا وكما يقول الباحث الكوري هي سو لي ( جميل ) صار المسلمون من أصل ياباني تحت ضمانة وحماية القانون .54
ومن يستقرئ أحداث تلك الفترة يدرك بأن الظروف كانت مواتية لانتشار الإسلام في اليابان، لكن اقتصار الدعوة على بضعة أشخاص دون توسع النشاط الدعوي من قبل المسلمين حال دون ذلك ،وحاول عبد الرشيد إبراهيم دعوة بعض العلماء ، فقدم إليه العالم القازاني موسى جار الله بيجي ، وجرى التخطيط لإصدار المجلات والكتب الإسلامية ، لكن الحرب العالمية الثانية منعت من وضع هذا للمخطط موضع التنفيذ .
كما أن ميان عبد العزيز رئيس الرابطة الإسلامية لعموم الهند استمر مدة عام تقريبا بعد افتتاح مسجد كوبيه يلقي محاضرات هنا وهناك عن مبادئ الإسلام ، وقد نشر محاضراته وآراءه عن وضع الإسلام في اليابان .55
ويلاحظ أن الخطاب الإسلامي في اليابان في تلك الفترة وجد أذنا صاغية من قبل السلطات اليابانية ، التي أعادت النظر في الصفحات المتعلقة بالمسلمين وبالأتراك في الكتب المدرسية اليابانية واعتمدت التصحيحات من قبل وزارة التربية والتعليم اليابانية .56
وشهدت الفترة ذاتها ظهور عدد من المسلمين اليابانيين المؤثرين في صنع القرار داخل اليابان ، ويأتي على رأسهم الحاج نور محمد تناكا إيبيه ثاني حاج ياباني بعد عمر ياماوكا ، وقد تتلمذ على يديه عدد من اليابانيين ، وكان يلتقي بقربان علي الذي كان يعمل في شركة خط سكة حديد منشوريا ، وتناكا إيبيه يعد – بحق رائد الدراسات الإسلامية في اليابان ، ويمكن أن نعده دون حرج أول داعية إسلامي ياباني ، فقد كان يدعو إلى الإسلام بالقلم وباللسان ، كتب في الصحف والمجلات ، كما ألقى العديد من المحاضرات ، وتناكا إيبيه يمثل بحق نوعية الخطاب الإسلامي الياباني الياباني ، وهو يختلف عن نوعية الخطاب الإسلامي الموجهة من قبل الدعاة الوافدين على اليابان ، وهذا لا يعني تفضيل الأول على الثاني أو العكس ، فكلاهما يكمل الآخر ويعضده ، وهناك مآخذ على الخطاب الإسلامي عند تناكا إبيه مردها إلى أن الرجل تثقف ثقافة إسلامية في الصين وقرأ عن الإسلام في الصين ثم عايش المسلمين الصينيين ، وترجم ما كتب بالصينيية ( ريوكاي كو ) عن الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد أن اقتنع تماما بالإسلام ، أعلن إسلامه في الصين وأراد أن يكمل فريضة الحج ، وبعد الحج وكتب عن رحلته ، بل ألقى عددا من المحاضرات عن تجربته في الحج ، أو عن حياة المسلمين اليومية وبخاصة في أيام الحج .57
ومن الملاحظ أن تناكا إيبيه في خطابه الإسلامي لم يتطرق إلى أمور كثيرة تتعلق بالعقيدة ، كما لم يهتم بتعلم اللغة العربية لغة القرآن ، وإن كان قد أشار إلى تأثره الشديد وبكائه حين كان يستمع إلى صوت أحد الشيوخ يرتل القرآن الكريم ، بل كلما كان يسمع صوت المؤذن ينادي للصلاة ، وقد نقل تناكا إبيه كتاب السيرة النبوية عن الصينية وترجم الكثير مما يتعلق بالقرآن الكريم عن الصينية .
هناك من اليابانيين من تأثر بالسيرة النبوية ، ولم يكن مسلما إلا أنه أحب الرسول حبا جما لدرجة أنه كان يحدث أصدقاءه بأنه رآه في المنام .. وظن هؤلاء أن أعراض الجنون بدأت تظهر عليه ، وأقصد هنا المفكر الياباني رائد فكرة آسيا الموحدة أوكاوا شوميه ، وهو أول من ترجم معاني القرآن الكريم إلى اليابانية معلنا أن من لا يعرف العربية يصعب عليه فهم هذا الكتاب المقدس .58
وهكذا نلاحظ وجود نمط آخر من الخطاب الإسلامي في تلك الفترة كان صادرا عن ياباني غير مسلم ، والحقيقة أنه يصعب علينا الآن حصر الكتابات التي ظهرت في تلك الفترة والتي تناولت الفكر الديني الإسلامي في اليابان ، ونذكر هنا بعضها حتى نوضح اتجاهات الخطاب الديني الإسلامي الصادر من اليابانيين غير المسلمين .
كتب المفكر الياباني أوكوبو كؤوجي أبحاثا متنوعة تلقى في مجملها الضوء على تعاليم الإسلام، وكان أوكوبو يكتب باليابانية والفرنسية والإنجليزية ، ففي عام 1934م كتب بحثا في 55 صفحة بعنوان الإسلام ، وكتب بعدها بحثا عن الإسلام بالاشتراك مع كوباياشي هاجيميه باللغة الفرنسية ، وفي يناير عام 1939م كتب بالإنجليزية عن الشرائع والعقائد الإسلامية The Doctrines of Islam وفي مايو كتب بحثا بعنوان :
" عن المحمديين "، وكتب في يونيو بالاشتراك مع كوباياشي هاجيميه بحثا بعنوان : "قراءات إسلامية " ، وفي سبتمبر من العام التالي كتب بالفرنسية مقالا بعنوان:
Jeune de Musleman في سبع صفحات ، وفي ديسمبر من عام 1941م كتب بحثا في 54 صفحة بعنوان " مبادئ الإسلام والحالة الحاضرة "، والحقيقة أن أوكوبو كؤوجي استمر يكتب عن الإسلام بعد الحرب العالمية الثانية ، ففي ديسمبر عام 1950م نشر بالاشتراك مع كا جا ميشيما هيرؤوكي كتابا في 303 صفحة بعنوان "دراسات عن القرآن الكريم ".
أما كوباياشي هاجيميه سابق الذكر فقد كتب " مذكرات عن رمضان " في يناير 1938م وكتب فيما بعد سلسلة مقالات بعنوان التاريخ الإسلامي نشرت في يونيو 1939م وفي أغسطس من العام نفسه وفي مارس من عام 1940م ، وفي إبريل من عام 1942م نشر بحثا في نحو 40 صفحة بعنوان القرآن أو السيف ، واستمر في نشر سلسلة مقالات عن الإسلام حتى عام 1960م .
وهكذا وجد مفكرون بدؤوا كتاباتهم عن الإسلام في تلك الفترة واستمروا إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية مثل سودا ماساتسوجو بجيم قاهرية الذي كتب سنة 1937 م مقالا بعنوان " عن الإسلام " أو حول الإسلام ، كما كتب أيضا سلسلة مقالات سنة 1955 بعنوان " حكاية الإسلام ".
وقام البعض الآخر بكتابة مراجعات لكتب الغربيين عن الإسلام ومنهم تاساكا كؤودو الذي كتب مراجعة لكتاب أربري الإسلام وديانات الشرق القديم ونشرت هذه المراجعة في اكتوبر 1941م .
ومن العجيب أن يهتم بعض المفكرين اليابانيين بالمذاهب التي نسبت نفسها إلى الإسلام والإسلام منها براء ، مثل البهائية ، فقد كتب نايتو تشيشو بحثا قصيرا بعنوان " المذهب البهائي ومؤسسه" نشر في يناير 1929م ، كما كتب هو نفسه سلسلة من المقالات منها " حركات الصلاة في الإسلام ( يوليو 1931م ) مدخل إلى الإسلام ( يوليو 1938م ) ، وظهور المذاهب وتطورها في الإسلام أكتوبر 1938م ، والثقافة الإسلامية سبتمبر 1939م، ومقال بعنوان "الصلاة الإسلامية" نشر في فترة متأخرة أي في مارس 1966م ، كما كتب ماتسوميا شون إتشئيرو مقالة بعنوان البهائية نشرت في ديسمبر 1930م.
وباختصار ركز معظم اليابانيين في تلك الفترة على شرح مبادئ الإسلام بشكل عام ، فقد كتب نوكئيوتشي ناجايوشي : " مبادئ الإسلام في سلسلة من المقالات نشرت في مايو 1939 وفي أوائل فبراير ومنتصف فبراير 1941م ، وكتب فوجيو جونجي : العبادة ، والواجبات الدينية في الإسلام إبريل 1939م وكتب ميتاني كؤورو عن الشروط الإسلامية للطعام فبراير 1940 ،وكتب ميتسو هاشي فوجيو " ماء الطهارة الذي يستخدمه المسلمون يوليو 1942، واهتم البعض الآخر بالكتابة عن رأي غير المسلمين في الإسلام فكتب هاراميتشي تسوجو " وجهات نظر روسية عن الإسلام ونشر بحثه في أول أكتوبر من عام 1939م وترجم ساكي اكئيو كتاب C H Bcker عن الألمانية النصرانية والإسلام ونشره عام 1939م .
وهناك كتابات مجهولة المؤلف ، ربما صدرت بهدف الدعاية لمذهب ما أو كانت مترجمة عن لغة ما ، ومنها " البهائية دين الحب " ومنها "المذاهب والمساجد والفرق في الإسلام" أغسطس 1938م و، منها "الحج في الإسلام" فبراير 1939م ومنها "المفهوم المعاصر للإسلام" مايو 1939م ومنها "المفهوم الإسلامي للحياة بعد الموت" ديسمبر 1939م وغيرها.59
لقد اهتم اليابانيون في مرحلة البدايات بالقرآن الكريم واستمر هذا الاهتمام ، بل زاد كثيرا فصدرت ترجمة أريجا ( بجيم قاهرية) ( احمد ) مع تاكاهاشي جورؤو ( بجيم قاهرية) في يونيو 1938م في 878 صفحة مع 8 صفحات مقدمة ، وصدرت سلسلة مقالات تضمنت ترجمات لمعاني آيات من القرآن وشرحا لبعضها ، وقد قام بهذا كل من ساكاموتو كئين رينشي ، و أوكوبو كوجي ، وكوباياشي هاجيميه ( مقالات مختصرة نشرت في يوليو 1938 ونوفمبر 1938م ويناير 1939 ) وقام أوكوبو كؤوجي بترجمة سلسلة من المقالات صدرت بالألمانية بعنوان :
Koran der Japanischen Ubersetzung في مايو من عام 1941م ، وفي فبراير وإبريل وسبتمبر من عام 1942م ، وفي ويوليو وسبتمبر من عام 1942م ، وفي يناير ومارس ويونيو وسبتمبر وديسمبر من عام 1944م .
وكتب ساكوما تيجيئيرو مقالا بعنوان " تحليل " أو شرح القرآن فبراير 1936م .
واهتم ايكيدا تاداشي بالكتابة عن صحيح البخاري وصحيح مسلم فنشر مقالا عن الصحيحين في سبتمبر 1939م .
وظهرت كتابات مجهولة المؤلف أيضا عن القرآن الكريم والحديث النبوي منها : حول الكتاب المقدس في الإسلام في أغسطس 1938م ، وفصول من الحديث النبوي يوليو 1939م والحديث النبوي سبتمبر 1940 وهي مقالات قصيرة في أربع أو خمس صفحات .
وإذا ما انتقلنا إلى الاهتمام بالسيرة النبوية لاحظنا الاهتمام بالترجمة عن اللغات الأخرى فقد سبق ذكر تناكا ايبيه وترجمته لموسوعة السيرة النبوية التي كتبها ريو كايكو بالصينية 1941م وقد ترجمت الجمعية الإسلامية اليابانية عام 1934م كتابا لعبد المجيد قريشي في السيرة النبوية عن اللغة الأردية بعنوان هادي عالم .
أما فورونو كئيوتو فقد ترجم كتاب Dermenghem,Emile حياة محمد
La Vie de Mahammet عن الفرنسية وذلك في ديسمبر 1940م .
كما أصدرت جمعية اليابان الإسلامية أيضا ملخص سيرة محمد بقلم أريجا ( احمد ) ونيشيموتو في إبريل 1935م ، وكتب هيروشي تطور الدراسات الخاصة بسيرة محمد في يوليو 1941م ، وكتب أوكازوا شوميه مقالا بعنوان الإسلام ومؤسسه نشر في مارس 1923م بينما كتب اوكودائي را شؤوإتشي مقالة صغيرة بعنوان حياة النبي محمد في يوليو 1938م ، وكتب اوكاجيما سئيتا رؤو مغزى ظهور الإسلام في أغسطس 1942م ، وكتب كوسانو هاتشيرؤو " مبدأ محمد : القرآن أو السيف في نوفمبر 1931م .
وكتب نايتؤو تشيشو محمد المؤسس في أغسطس 1938م وكتب نوجوتشي (بجيم قاهرية) زينشيرو حياة محمد في يناير 1930م .
وهكذا نلاحظ الثراء الكبير الذي شهدته هذه الفترة سواء في الكتابات المتعلقة بالقرآن الكريم والسيرة النبوية أو المتعلقة بالفكر الإسلامي ككل، وهذا يدل على أن الخطاب الديني الإسلامي كان متنوعا طبقا لمصادره التي تعددت داخل الساحة اليابانية التي كانت تعد عدتها لخوض حرب ، سيكون فيها للمسلمين – على الأقل من وجهة نظر المفكرين اليابانيين – دور يلعبونه، وبالتالي يجب فهم عقيدة هؤلاء المسلمين.
ومن الملاحظ أيضا أن الخطاب الديني الإسلامي لم يمض على وتيرة واحدة ، فتناكا إيبيه أو نور محمد تناكا أسلم في الصين وتأثر بمسلمي الصين ، وكانت صورة الإسلام في ذهنه هي صورة الإسلام في المناطق الصينية التي عاش فيها .
بينما حاول أرباب بعض المذاهب مثل البهائية إسماع أصواتهم لليابانيين ، وحاول بعض المنصرين الدخول في المجال نفسه عن طريق تقديم بعض الكتب التي يمكن ترجمتها ، وتقدم تصور الغرب عن الإسلام ، ووسط كل هذه الأصوات كان هناك من يحاول التركيز على إسماع صوت القرآن عن طريق ترجمة معانية ، أو من يكتب أو يترجم كتبا عن السيرة النبوية لتقديم نموذج مثالي لحياة المسلم .
صورة متداخلة للغاية ، ويزيد في تداخلها تغلب العقائد التراثية لدي اليابانيين جميعا ، دون تمييز بين نصراني أو مسلم أو بوذي أو شنتوي أو كونفوشي ... ففكرة الإله لا تزال غير واضحة في الأذهان ، وفكرة البعث يتم تقديمها بأشكال مختلفة قد لا تتفق مع عقيدة الإسلام ، ولا حتى مع ما يراه النصارى ، ومن هنا كانت محاولات الربط والخلط والتداخل الذي يصعب معها الفصل بين المعتقدات لدى الشعب الياباني . . فكانت هناك حاجة ماسة وضرورية إلى وجود عدد ممن يستطيعون تقديم الإسلام في اليابان في صورة مبسطة وواضحة ، والقرائن تؤكد على أن هذا الأمر لم يتيسر على الأقل في تلك الفترة ، أي فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية .
3 – فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية:
بعد استسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية نتيجة استخدام أمريكا لأسلحة الدمار الشامل ، تغيرت الظروف وتعطلت المؤسسات والمنظمات ومراكز البحوث التي كانت تعمل على التعريف بالإسلام أو نشره ، وتوقف صدور المطبوعات التي تتعلق بالثقافة الإسلامية والفكر الإسلامي ، ذلك لأن أهمية الإسلام عند السياسيين والباحثين قد انتهت بعد فشل تحقيق حلم آسيا الكبرى ، وهكذا توقف النشاط الإسلامي حتى إعلان الاستقلال60 .
بعد أن استعادت اليابان حقها في إدارة شؤونها سنة 1951م أسست جماعة من مسلمي اليابان جمعية لهم عام 1952م ذلك لأن الدستور الجديد كفل حرية الأديان لجميع اليابانيين، وسافر عدد من اليابانيين السلمين وغيرهم للدراسة في البلدان العربية والإسلامية، وظهر دعاة يابانيون مثل : صادق إيزومي ، والحاج عمر ميتا ، والحاج عبد الكريم سايتو ، والشيخ أبو بكر موريموتو وغيرهم ممن عملوا بالدعوة ، وظهرت تنظيمات أخرى منها المركز الإسلامي العالمي الذي تأسس في مارس عام 1966م ليشارك في الدعوة من خلاله عدد من المقيمين في اليابان من مختلف البلدان الإسلامية من طلاب
وديبلوماسيين 61 وقد تحول فيما بعد وبالتحديد سنة 1974م إلى المركز الإسلامي في اليابان.
ويمكن القول بأن هذه الفترة تشبه فترة البدايات ، وكأن الخطاب الإسلامي في اليابان يبدأ من جديد ، من خلال اهتمام اليابانيين باللغة العربية والاهتمام بشئون البلدان العربية والإسلامية ، والسعي إلى التجارة مع هذه البلدان ، فضلا عن فتح سفارات للبلدان العربية والإسلامية في اليابان.
وكان الخطاب الإسلامي صادرا من دعاة عاصروا الفترة السابقة مثل صادق ايمايزومي الذي أسلم على يديه يوسف ايموري ، وصادق كاتاياما ، والأول يعد من أفضل الباحثين في اللغة العربية في اليابان .
والحاج عمر ميتا هو أيضا من المنتمين للفترة السابقة ، لكنه نشط بعد الحرب العالمية ونشر كتابه "من أجل فهم الإسلام" و"مدخل إلى الإسلام " ونشر ترجمة كتاب "حياة الصحابة" عن الأردية وبدأ ترجمة معاني القرآن الكريم .
وهناك من أسلم في هذه الفترة مثل الحاج عبد الكريم سايتو عام 1957م ومن خلال عمله أستاذا بجامعة تاكشوك أدى خدمة جليلة للإسلام ولمسلمي اليابان .
ومما يلاحظ في هذه الفترة أن الخطاب الإسلامي الصادر عن المقيمين الوافدين على اليابان كان ضعيفا ، يريد أن يحدد مسارات انطلاقه ، من خلال عقد ندوات ، أو إصدار مطبوعات أو المشاركة في العمل الإسلامي مع إخوانهم من مسلمي اليابان.
4- فترة ما قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر:
المقصود بها الفترة التي تبدأ تقريبا من سنة 1971م ، وهي السنة التي زار فيها المرحوم " جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز" اليابان ، وهي فترة مهمة ، وتحتاج إلى قليل من التفصيل ، لأنها شهدت ارتفاع صوت الخطاب الديني الإسلامي عبر مكبرات صوت متنوعة ، وربما متباينة أحيانا ، فبينما استمر نشاط جمعية مسلمي اليابان ضمن برنامج محدد يتلخص في إصدار مطبوعات باليابانية ، وعقد ندوات ، وتنظيم فصول تعليم اللغة العربية، وإرسال الطلاب اليابانيين المسلمين إلى الخارج ، والرد على أسئلة تتعلق بالإسلام ، ومساعدة الشركات التي بدأت مكاتبها تنتشر في العالم العربي والإسلامي ، فقد قام المركز الإسلامي الذي كان يعرف قبلا بالمركز العالمي الإسلامي بالحصول على اعتراف الحكومة اليابانية به كمنظمة دينية قانونية عام 1980م ، وكان خطابه الديني يركز على إعطاء فكرة صحيحة عن الإسلام بالطرق الميسرة من عقد ندوات لتدريس العربية ، وترجمة وطباعة كتب عن تعاليم الإسلام 62 ونشط المركز كثيرا ، وبخاصة بعد تأسيس مبناه الجديد ، وتزويده بكوادر نشطه عن طريق دعم من رابطة العالم الإسلامي ، ووزارة الأوقاف الكويتية ، ودار الإفتاء بالسعودية ووزارة الشئون الإسلامية في الإمارات وغيرها .
لا شك أن الظروف الاقتصادية لعبت دورا مهما في دعم الخطاب الإسلامي في اليابان، كما كانت زيارة الملك فيصل لليابان ذات أثر عظيم ، من الناحية المعنوية والمادية ،إذ زاد الاهتمام بدعم العمل الدعوي المنظم ، فقد كانت نظرته الثاقبة تدرك أن الظروف مهيأة للتعريف بالإسلام ،في وقت اشتد فيه حرص اليابان على التعامل مع بلدان العالم الإسلامي المنتجة للنفط ، ومن هنا سعت أيضا للتعرف على الإسلام ، وهكذا أرسلت المملكة العربية السعودية إلى اليابان عددا من الدعاة وقامت بدعم عدد آخر .
في أعقاب ذلك تأسست جمعية الثقافة الإسلامية في اليابان التي كانت تضم مسلمين وغير مسلمين ، وأسست شركة لنشر مطبوعاتها ، ثم شهدت مدينة طوكيو العاصمة تأسيس المؤتمر الإسلامي الياباني الذي بدأ رئيسه الطبيب شوكت فوتاكي يدعو إلى الإسلام من خلال عياداته الطبية ، مما أسهم في تحول عدد كبير جدا من اليابانيين إلى الإسلام63، وتأسست جمعية باسم مؤسسة الفاتحة ، وبدأت جمعيات ومؤسسات إسلامية في الظهور ، وربما كان ذلك بفعل الرخاء الاقتصادي في البلدان الإسلامية ، وشكلت هذه الجمعيات اتحادا عرف باسم اتحاد الجمعيات الإسلامية في اليابان وذلك في وسط عام 1976م .
والحقيقة أن أسماء كثيرة ظهرت لمؤسسات وجمعيات ، كانت لها أهداف أخرى ، فقد سعت بعض الدول العربية إلى تأسيس مراكز ثقافية ، أو إرسال مبعوثين إلى اليابان بهدف الدعاية السياسية ليس إلا .!64
وكان الأمر الذي لفت أنظار اليابانيين وغيرهم هو تأسيس المعهد العربي الإسلامي في طوكيو عام 1982م ، ثم افتتاح المبنى الجديد للمركز الإسلامي وبدء نشاطاته المتعددة ، وكان من المؤسف أن تخبو أضواء بقية الشموع تدريجيا، وتظل بعض الجمعيات تعمل بمفردها مثل جمعية الجالية التركية والجمعية الإندونيسية ، والجمعيات التي أسسها أبناء الجاليات الهندية والباكستانية والبنغالية .
إلا أن أهم ما يميز هذه الفترة هو بدء تشكيل ما يمكن أن نطلق عليه التجمعات الإسلامية حول طوكيو ، وظهور أعداد كبيرة من المطبوعات الإسلامية ، وظهور بعض المجلات الإسلامية اليابانية الصادرة عن مؤسسات أو عن أفراد ، وازدهار الدراسات العربية والإسلامية على يد اليابانيين المسلمين وغير المسلمين65 ، وزيادة تأثير مجموعة الدعاة المنتمين لجماعة التبليغ ، وزيادة أنشطة جمعية الصداقة السعودية اليابانية وجمعية الصداقة الكويتية اليابانية ، مقابل تراجع نشاط المؤتمر الإسلامي الياباني الذي كان يرأسه الدكتور شوكت فوتاكي66 وكذلك المكاتب الثقافية العربية التي أغلقت أو توقف نشاطها تماما.
لكن يلاحظ أن الخطاب الإسلامي في هذه الفترة قد اختلطت فيه أصوات كثيرة ، لا تنتمي إليه بل تدعي ذلك مثل فرقة الأموتو اليابانية التي تمكن قادتها من زيارة بعض البلدان الإسلامية بل وأداء العمرة.67
ومن ناحية أخرى كانت هناك أحداث ألمت بالعالم الإسلامي أثرت بشكل أو بآخر سلبا أو إيجابا على نظرة الشعب الياباني للإسلام والمسلمين ، ومنها الحرب العراقية الإيرانية ، التي أثارت الباحثين اليابانيين ، فاصدروا عددا من البحوث ، وكتبوا عددا من المقالات ، محاولين تأصيل الصراع المذهبي بين الجارتين المسلمتين ، بل وتجذير هذا الصراع ، والحفر والتنبيش في دروب التاريخ الإسلامي عن صراعات شبيهة .. ثم كان غزو صدام حسين للكويت ، فأثيرت تساؤلات عديدة ، بل ربط بعض أفراد الشعب الياباني بين صدام والإسلام .. ثم كانت أحداث الإرهاب التي طالت معظم الدول العربية والإسلامية ، وكانت حادثة الأقصر عام 1996م صدمة للشعب الياباني نظرا لأن بعض الضحايا كانوا من السياح اليابانيين .
حاول الإعلام الياباني تقديم تفسيرات لبعض القضايا التي تثار في العالم الإسلامي ، وتعد بالنسبة للقارئ أو المستمع أو المشاهد الياباني غير مفهومة ، نظرا لندرة المصادر التي تتناول القضايا الاجتماعية في المجتمعات الإسلامية ، وهكذا تناولت جريدة آساهاي شنبون واسعة الانتشار قضية نصر أبو زيد الأستاذ الجامعي المصري ، وصدور حكم باعتباره مرتد ثم المطالبة بتطليق زوجته.68
ومن هنا شرحت الصحيفة على لسان بعض المتخصصين معنى كلمة مرتد مع التركيز على الأصوليين ، وشرحت الصحيفة ما ورد في قانون الأحوال الشخصية ، وارتباطه بأحكام القرآن وأهمية الأسرة في المجتمع .69
وفي أعقاب حادثة الأقصر بدأت بعض الصحف اليابانية تتكلم عن الإسلام كأنه دين إرهاب ونشرت إحدى الصحف70 حديث سفير اليابان في السودان آنذاك الذي قال بأن الإسلام دين يحث على قتل غير المسلم .
لم يكن هذا الخطاب هو الخطاب الوحيد الذي يسمعه الشعب الياباني ، فقد نشط بعض الباحثين في تفسير تلك الأحداث وربطها بالإرهاب العالمي ، بل وبسياسات الدول العظمى التي تربى بعض قادة الإرهاب على أراضيها ، بل نالوا أحيانا حمايتها، والأهم من كل هذا زيارات كبار القادة وكبار المسئولين من بلدان العالم العربي والإسلامي لليابان ، وهنا نشير إلى زيارة صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني إلى اليابان ، وحديثه الواضح للإعلام الياباني ، ودعوته مسلمي اليابان أن يعملوا لخدمة وطنهم اليابان ، وأن يمتثلوا لقوانين بلادهم وقيمها لأنها لا تختلف في شيء عن قيم الإسلام ، وقد غطت الصحف اليابانية هذه الزيارة ، وأشادت بالأفكار التي ذكرها ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز.71
وعلى كل حال يمكن القول باختصار بأن الخطاب الإسلامي في اليابان بدأ يمضي على خط صحيح ، رغم وجود من يحاول التشويش أو من يحاول الصراخ ، فهو خطاب هادئ يصدر في معظمه عن عدد من الباحثين اليابانيين المسلمين ومن غير المسلمين أيضا ممن تعمقوا في دراسة الإسلام من مثل :
البروفسور هشام كرودا والبروفسور يوسف إيموري ، والبروفسر الدكتور حسن كو ناكاتا ، وحبيه كاؤري تناكا والبروفسر يوسف كاشيورا والروفسر نور الدين موري والسيدة فاطمة توكوماس وامين توكوماسو ومختار الطيب موتو ، ورمضان إيسوزاكي واشرف ياسوي وعادل اوكي ، والشيخ معمر شينوهي ، وياسر كوسوجي (بجيم قاهرية) وسليمان هاماناكا وأحمد سوزوكي وعبد الواسع كيمورا ، وعبد الكريم تومئيوكا ، وحنيفه تومئيوكا ، وقد درس البعض في مصر بينما درس البعض الآخر في المملكة العربية السعودية أو في قطر ، أو في ليبيا ، أو في باكستان ، أو إندونيسيا أو في غيرها .
ومن مثل :
توشيهيكو ايزوتسو ، وكوجيرو ناكامورا ، وسوسومو فوجيتا وميتسو اوجوتو ، وشيجيرو كامادا ، وشينيا ما كينو ، وجوهي شيمادا ، وتاكيشي يوكاول ، وكاتوجي فوجيموتو ، وكوسي موريموتو ، وساتشيكو موراتا ، وناري آكي هانادا وغيرهم
واهتم هؤلاء بما يشبع حاجة الدارسين وحاجة الشعب اليابان للتعرف على الإسلام ، فبالإضافة إلى القرآن الكريم صدرت ترجمة لصحيح البخاري بقلم المستشرق الياباني شينيا ماكينو وصدرت ترجمة لصحيح مسلم بقلم يوسف إيموري ورمضان أيسوزاي وآخرين ، كما صدرت ترجمة مختصرة لسيرة ابن هشام بقلم المستشرق الياباني جوهيه شيمادا ، وترجم حسن ناكاتا كتاب مصطفى الساباعي السيرة النبوية ، كما ترجم المستشرق الياباني تاكيشي يوكاوا كتاب الأحكام السلطانية للماروردي وترجم أيضا بالاشتراك مع حسن ناكاتا السياسة الشرعية لابن تيمية ، كما ترجم كاتوجي فوجيموتو المنقذ من الضلال لأبي حامد الغزالي وترجم كؤوسيه موريموتو مقدمة ابن خلدون ، وترجم المستشرق الياباني ناري آكي هنادا التاريخ في أنساب الأشراف وأخبارهم وفتوح البلدان للبلاذري .
أما ياسر كوسوجي (بجيم قاهرية) فترجم الخلافة لرشيد رضا والإسلام ومنطق القوة لمحمد حسين فضل الله ، واهتم توشيهيكو إيزوتسو بالترجمة عن الفارسية ، فنقل كتاب فيه ما فيه لجلال الدين الرومي ونقل بعض مؤلفات صدر الدين الشيرازي .
واهتم البعض بالفقه وأصوله فترجم كوجيرو ناكامورا علم أصول الفقه لعبد الوهاب خلاف ، بينما اهتم آخر بالاقتصاد فنقل هشام كورودا كتاب اقتصادنا لمحمد باقر الصدر ، وترجم للصدر أيضا كتاب فلسفاتنا ، وهناك من اهتم بالقضايا المعاصرة والشريعة فترجم يوشينوري سانارا الشريعة الإسلامية والقضايا المعاصرة للشيخ احمد زكي يماني .
وقد صدرت في هذه الفترة دراسات كثيرة جدا عن القرآن الكريم وترجمة معانية بقلم باحثين يابانيين مثل فوجيموتو كاتسومي الذي حرر ترجمة اكيدا اوسامو وبان كوسائي وفوجيموتو كاتسوجي لمعاني القرآن وصدرت الترجمة عام 1970 في 566 صفة ، بالإضافة إلى أبيه هاريو ( علي ) الذي ترجم معاني القرآن الكريم نوفمبر 1982م ، ثم ترجمة معاني القرآن التي أشرفت على إعادة إصدارها جمعية مسلمي اليابان72 . كما شارك المسلمون (من غير اليابانيين ) المقيمون بأبحاث عن القرآن الكريم فكتب أفضل الرحمن مقالا بعنوان ذكر الصناعات في القرآن الكريم73 وكتب الشيخ علي السامني التعاليم الأخلاقية في القرآن الكريم 74 وكتب أيضا محاولة لفهم القرآن ، بينما كتب أسرار احمد بماذا يدين المسلمون للقرآن . أو فضل القرآن على المسلمين.75
وشارك الباحثون اليابانيون في الكتابة عن القرآن الكريم فكتب البروفيسور إيموري كاسوكيه ( يوسف ) " القرآن وطريقة حياة المسلمين " أكتوبر 1972م ، وكتب توشيهيكو إيزوتسو عن تلاوة القرآن مقالين نشرا في إبريل 1982م ، و يونيو 1983م ، وكتبت الباحثة أودا يوشيكو سلسلة مقالات بعنوان : مفهوم الأمة في القرآن الكريم – أساس المجتمع المسلم في سنة 1984م ، ومفهوم التقوى في القرآن الكريم في مارس 1985م ونشرت بحثا بعنوان الفكر القرآني في 30/9/ 1985م . وكتب خالد كيبا عن " القرآن مصدر التشريع الإسلامي 25/12/1989م ( مجلة السلام ) وعن تاريخ الأمم في القرآن ( قوم عاد ) 15/1/1986 ( السلام ) كما كتب تناكا شيرؤ " حكمة القرآن الكريم /12/ 1972م و القرآن الكريم كتاب حي 1/4/1975م أما هوري أوتشي ماسارو فقد اهتم بالقراءات في القرآن فكتب عن الوقف في القرآن الكريم ووظيفته في التلاوة أغسطس 1972م وكتب عن البسملة وتلاوة القرآن الكريم مارس 1977م ( مجلة جمعية الصداقة ) وكتب عن مدارس القراءات نوفمبر 1979م ، كما كتب مايجيمي شنجي عن القرآن والحياة اليومية للناس نشرت في مارس 1980م وأعيد نشرها في سنة 1978م .
وكتب باحثون يابانيون عن سيرة الرسول أبحاثا ومقالات ، ومن هؤلاء ساداموتو إيزوساكي الذي كتب عن معراج الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء يناير 1977م ، وكتب أيضا "محمد في الحديث الشريف" 20/8/ 1980م ( مجلة السلام ) وكتب جوتيه أكيرا ( بجيم قاهرية) سلسلة مقالات كانت قد بدأها في فترة مبكرة ومنها : من هو محمد ؟ 1/8/1978م و محمد والعرب ديسمبر 1980م ، والمدينة المنورة وقت هجرة النبي إليها فبراير 1984م ، و ملاحظات على المصادر التاريخية للسيرة النبوية في فبراير 1985م ومارس 1985م ، وفبراير 1987م .
ولم يقتصر الأمر على موضوعات تتعلق بالقرآن والسيرة النبوية بل اهتم الباحثون اليابانيون بالفكر السياسي والاقتصادي في الإسلام ، فترجموا بعض كتب ابن تيمية وكتبوا عن فكره ، فقد ترجم حسن ناكاتا السياسة الشرعية لابن تيمية وكتب إيموري كاسوكيه ( يوسف ) بحثا بعنوان ابن تيمية وعصره إبريل 1976م ، وكتب إيموري نفسه عن مفهوم الأمة وتطوره مارس 1981م ( السلام ) . وفرضت هذه الفترة الاهتمام بموضوعات معينة مثل مفهوم السلام في الإسلام ، وهو عنوان مقال للشيخ عبد الله عمر نصيف ترجمه كوميه تشئي ونشر بمجلة السلام في 20 يناير 1988م كما نشر معهد كاجيما للسلام الدولي ترجمة ما كتبه عبد الرحمن عزام بعنوان " رسالة الخلود التي بعث بها محمد" (يناير 1975م) وصدرت مجموعة أبحاث مترجمة لسيد حسين نصر ، ونصر الله وآخرين قام بترجمتها توشيهيكو إيزوتسو وآخر وصدرت عام 1988م ، كما كتب ايسوزاكي ساداموتو عن الجهاد في الإسلام مارس 1973م والتسامح في الإسلام مارس 1979م وكتب ايتاجاكي ( بجيم قاهرية) يوزو عن الإسلام والمجتمع ( فبراير 1980م ) وعن مستقبل الإسلام في نوفمبر 1983م .
وكتب اوجاساورا يوشيهارو عن الإسلام دين السلام والتسامح مارس 1980م .
وشهدت هذه الفترة عقد سلسلة من الندوات منها ندوة المفهوم الديني للإسلام والأديان الأخرى في الشرق الأوسط وصدرت البحوث في 325 صفحة في ديسمبر 1984م ، كما صدرت وقائع ندوة عن الحج المجلد الأول في 333 صفحة في سبتمبر 1986م والمجلد الثاني في 295 صفحة في مارس 1988م ، كما عقد مؤتمر الدراسات الشرقية في طوكيو ونشرت بحوثه التي من بينها بحث للدكتور حسن حنفي عن محاولة لفهم ماهية الإسلام ، وأيضا الإسلام واليهودية نموذج من الأندلس 1986م ، وعقدت ندوة في مركز الثقافة الآسيوية التابع لجامعة آياصوفيا بطوكيو ، وتناولت موضوعات تتعلق بالإسلام والإسلام والمجتمع وصدر سجل أعمال الندوة في مجلدين عام 1988م .
ولا يمكن حصر الندوات المتعلقة بالإسلام التي تعقد سنويا في اليابان ، لكن نشير هنا إلى الندوة التي نظمتها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في معهد طوكيو ، وقدمت فيها بحوث منها : دراسة الفقه في اليابان وترجمته للدكتور حسن كو ناكاتا ، ومن قضايا المسلمين في اليابان للدكتور عبد الله اليحي ، والإسلام وحكومة العولمة للبروفسر أكودا أتسوشي وغيرها .
وعلى المستوى الرسمي أدركت اليابان أن مجال دراسة الإسلام والحضارة الإسلامية ليس قاصرا على بلدان الشرق الأوسط فقط ، بل يشمل أيضا بلدان آسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا والبلقان وغرب إفريقيا ، ومن هنا بدأ المشروع الذي أداره البروفسر ساتو تسوجيتاكا الأستاذ بجامعة طوكيو تحت إشراف وزارة التربية والتعليم وأطلق عليه أسم " دراسات الحضارة الإسلامية ". وبدأ العمل به سنة 1997م واستمر لخمس سنوات76 وكانت المحصلة صدور عدد من البحوث القيمة والكتب التي تناولت موضوعات الشريعة الإسلامية والمذاهب والفرق وإدارة الدولة وغيرها من أمور حضارية شاملة عن الإسلام وبلاد العالم الإسلامي ، وهناك ملاحظات عامة لا مجال لذكرها هنا .77
وهكذا نلاحظ أن الخطاب الديني في تلك الفترة كان يلبي حاجة المجتمع الياباني إلى التعرف على الإسلام وعلى المسائل الحياتية التي كان يستعصي على اليابانيين فهمها ، وقد اهتم بالأمر الباحثون اليابانيون المسلمون وغيرهم من بعض المقيمين أو الوافدين على اليابان ، بينما كانت الندوات تعقد لدراسة موضوع معين تفرضه متطلبات الظروف ، وعلى المستوى الرسمي بدأت اليابان تنظر إلى العالم الإسلامي نظرة شاملة فلم يعد هو الشرق الأوسط مصدر البترول ، بل بدأت تتذكر فكرة آسيا الكبرى بزعامة اليابان ، ومن هنا كان التوجه لدراسة كل ما يتعلق بالإسلام والمسلمين على خارطة العالم من خلال مشروع دراسة الحضارة الإسلامية الذي أشرنا إليه من قبل .
ويبدو أن هذا التوجه استمر بل قوي في الفترة التالية أي فترة ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر .
5- فترة ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر
بدأ ما يسمى بعصر العولمة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي ، وهي التسمية المزركشة لعصر هيمنة القطب الواحد ، ولم يكد الباحثون ينشغلون بشرح مصطلح العولمة حتى فوجئ العالم بأحداث التاسع من سبتمبر عام 2001م ليبدؤوا من جديد الانشغال بشرح أسباب الحدث ومبرراته ونتائجه وما إلى ذلك.. . ولما كانت الأحداث تتعلق بشكل أو بآخر بالإسلام ، فقد كان من الضروري أن تؤثر تلك الأحداث على الخطاب الديني الإسلامي في اليابان .
ولا شك أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر تركت أثرا سلبيا على العمل الإسلامي الدعوي في اليابان على المستوى الرسمي ، لكنها من ناحية أخرى أثارت تساؤلات كثيرة لدى أبناء الشعب الياباني ، الذين لم يعرفوا شيئا من قبل عن الإسلام والعالم الإسلامي ، وكان على رأس قائمة التساؤلات التي طرأت على أذهانهم :
ما هي الدوافع التي أدت إلى هذه الأحداث ؟
مَنْ أولئك الذين غامروا بأنفسهم أو ضحوا بأنفسهم إن صح التعبير للقيام بهذا العمل ؟
لماذا اختاروا أمريكا ؟
ما طبيعة العقيدة التي جعلتهم يتحولون – بالمفهوم الياباني – إلى عاصفة إلهية أو كامي كازيه Kami Kaze ؟
ما الذي وحد بين أولئك الأفراد الذين ينتمون إلى بلدان وأقطار مختلفة ؟
وغيرها من تساؤلات احتلت مساحات واسعة على صفحات الصحف والمجلات المنتشرة في عموم اليابان.
وهكذا انشغل الباحثون والمفكرون بالكتابة عن الإسلام والمسلمين ، وتحليل مفاهيم الجهاد الإسلامي ، ومفهوم الشهادة في الإسلام ، وأكثر من هذا وذاك الاهتمام بالقرآن الكريم الذي هو دستور الإسلام ومصدر الشريعة ، والاهتمام بالسيرة النبوية وعصر انتشار الإسلام ، وقد دخل الساحة مفكرون اهتموا بتحليل الفكر السياسي الإسلامي لدى كبار المفكرين المسلمين، ،وترجمت بعض الكتب عن العربية والإنجليزية وغيرها ، وشكل بعض المتخصصين فريقا ليصدروا - في مجلد واحد - دائرة معارف العالم الإسلامي الحديث78، كما صدرت كتابات أخرى منها على سبيل المثال الكتاب الذي أصدره الياباني المسلم أحمد سوزكي في سبتمبر من عام 2002م وجعل عنوانه " معنى ما يريد المسلمون قوله " وهذه هي الترجمة الحرفية لعنوان الكتاب الذي تضمن فصولا عن الإسلام والسلام ،والشهادة في الإسلام ، والوضع في فلسطين وموقف الفدائيين ، وسوء فهم الإسلام ، والعبادات في الإسلام ، والسيرة النبوية والقرآن الكريم وترجمة معانيه ، والإسلام في الوقت الحاضر والإسلام في اليابان والمشاكل التي تواجه المسلمين اليابانيين وغيرها من موضوعات تهم اليابانيين. 79 ذلك لأن الشعب الياباني كان يفتش في المكتبات عن كل ما يتعلق بالإسلام ، واتجه المسلمون اليابانيون إلى ترجمة تفسير القرآن بعد أن انتهوا من مرحلة ترجمة معاني القرآن الكريم وترجمة كتب الحديث 80 فقاموا بترجمة تفسير الجلالين وصدر الجزء الأول منه بترجمة حبيبة كاأوري ناكاتا وبإشراف ومراجعة الدكتورحسن ناكاتا وذلك في شهر أكتوبر سنة 2002م .81
وهناك من أدباء اليابان الذين برعوا في فن القصة من اهتم بالقرآن الكريم ، وأعني الأديب الياباني أتودا تاكاشي82 الذي كتب سلسلة من المقالات في المجلة الشهرية شين تشؤو بعنوان : هل تعرف القرآن ؟ استمرت لسنة تقريبا ثم جمعها ونشرها في كتاب هذا العام ليكون الأول على أفضل ثلاث كتب تباع طبقا لإحصائيات منافذ البيع الخاصة بدور النشر اليابانية ، والكتاب مفيد لليابانيين من غير المسلمين المهتمين بالتعرف على الإسلام ، إلا أن المسلمين اليابانيين قد يشعرون بأنه يكتب كتابة سطحية غير متعمقة ، رغم أن الكتاب ككل يتضمن معلومات مفيدة وجذابة ، وقد زار المؤلف المملكة العربية السعودية وتجول في معظم مناطقها، وبخاصة تلك التي ورد ذكرها في القرآن الكريم ، واستفاد من خبرته في كتابة مقالاته تلك.83
وكان من الطبيعي أن تدفع أحداث الحادي عشر من سبتمبر والظروف التي تلتها غير اليابانيين المقيمين في اليابان بعيدا عن الساحة ، فقد كان من الصعب على غير الياباني الدخول في هذه الحلبة ، نظرا للدعايات المكثفة من قبل أجهزة الإعلام الغربية التي تأخذ عنها أجهزة الإعلام اليابانية ، ما تبثه فيما يتعلق بالإسلام ، ومحاولة ربط الإسلام كدين بالإرهاب .
لكن هذا لا يعني أن صوت غير اليابانيين من المسلمين لم يكن مسموعا في الخطاب الديني، فهناك من المسلمين المقيمين من استوطنوا اليابان وبخاصة من الجاليات التركية وجاليات شبه القارة الهندية ، وهم يتفهمون تماما طبيعة الشعب الياباني ، ونوعية الخطاب المقبول بين أوساط هذا الشعب ، ويعرفون بأن الشعب الياباني لا بد أنه يسترجع التاريخ ، والأحداث التي مرت بها اليابان ، ويتذكر دفاع اليابانيين عن بلدهم ، وتضحيتهم بأنفسهم ، بعد أن يتحولوا إلى ما يسمى بالعاصفة الإلهية ، ومن هنا اختلفت وجهات نظر معظم أفراد الشعب الياباني مع وجهة النظر الرسمية .
وقد سعت الجالية التركية إلى إقامة مدرسة يابانية يدخل ضمن مناهجها تدريس العلوم الإسلامية ، وهي أمنية طالما كانت الجالية الإسلامية في اليابان تحلم بها ، ولا يزال البعض يسعى لتأسيس مدارس على هذا النحو وقد نجح بعض أفراد جالية شبه القارة الهندية الباكستانية أيضا في تأسيس مدرسة ، لكن على نظام المدارس الدولية ، أما المدرسة التي أسستها الجالية التركية بالتعاون مع بعض المسلمين اليابانيين في يوكوهاما فقد اتبعت النظام الياباني ، ونالت اعتراف وزارة التربية والتعليم اليابانية وبدأت في عام 2002م وتسمى : Horizon Yokohama International School ولها موقع على الانتنيت يمكن الرجوع إليه للمزيد من المعلومات .84
وقد سعى أحد الباكستانيين المقيمين في طوكيو مؤخرا إلى تأسيس مدرسة عرفت باسم Sophia International School في منطقة ايكيبوكورو الشمالية في حي توشيما وقد بدأت المدرسة في سبتمبر 2003م .85
اهتمت المنظمات الدينية الرسمية في اليابان بالتعرف على الإسلام ، وإدارة حوار فعال مع المفكرين المسلمين ، ومثال ذلك المؤتمر الذي عقد في أغسطس من عام 2002م في مدينة كيوتو ونظمته هيئة الأديان العالمية باليابان تحت عنوان الحوار مع الإسلام من أجل السلام ، واختارت أن يكون المتحدث الرئيسي في الندوة مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور محمد بن سعد السالم ، وقد دهش الجميع لأنهم استمعوا إلى فكر إسلامي يختلف تماما عما أذاعته أجهزة الإعلام الغربية عن الإسلام والمسلمين ، مما دفع القائمين على الندوة إلى محاولة عقد صلات مستمرة مع الهيئات العلمية والجامعات في بلدان العالم الإسلامي للتعرف بشكل مباشر على كل ما يتعلق بالإسلام.86
ومن الجدير بالذكر أن الحكومة اليابانية سعت هي الأخرى للتعرف على تأثير الأحداث داخل اليابان وخارجها ، وسعت إلى دعم علاقاتها بالعالم الإسلامي بدءا من دول الخليج وبلدان الشرق الأوسط ، ومن هنا كانت الدعوة إلى عقد ندوات ومؤتمرات وجلسات للحوار بين اليابان وبلدان العالم الإسلامي وبخاصة دول الخليج والشرق الأوسط ، فكان تنظيم ندوة الحوار الإسلامي الياباني التي عقدت في البحرين ثم في طوكيو ، وندوة الحوار السعودي الياباني التي عقدت منذ عدة اشهر في الرياض في مقر مركز الملك فيصل للدراسات الإسلامية ونظمتها سفارة اليابان في الرياض بالتعاون مع المركز . وكانت دعوة وزير الخارجية السابق السيد كونو إلى دعم الحوار مع دول العالم الإسلامي واضحة وصريحة ، وكأن اليابان تريد أن تأخذ زمام المبادرة لقيادة آسيا من جديد ، والاطلاع بدور مهم في المنطقة وهذا يذكرنا بما كانت تقوم به في فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية .
اهتمت وسائل الإعلام المرئية في اليابان الرسمية وغير الرسمية بالإسلام وبدأ التلفاز الياباني الرسمي إن أتش كيه يذيع برامج لتعليم اللغة العربية في موسم الصيف، ويبث برامج أخرى تتعلق بثقافة وحضارة العالم الإسلامي ، وسعت الجامعات اليابانية لعقد ندوات علمية تتناول الإسلام وتاريخ الإسلام والفكر الإسلامي مع التركيز على سماع الصوت الإسلامي عن طريقة دعوة متخصصين من البلدان الإسلامية ، وآخر هذه الندوات يعقد في فبراير القادم عن مفهوم الجهاد في الإسلام وذلك في جامعة دوشيشة بمدينة كيوتو .
ومن ناحية أخرى ظهر اهتمام الجامعات اليابانية بدراسة الإسلام ، وحث الطلاب على دراسته ، وهكذا أنشأت جامعة تاكشوك اليابانية في طوكيو مركز دراسة الشريعة الإسلامية في عام 2002م ، ويديره البروفيسور نور الدين موري الذي تخرج في جامعة أم القرى بمكة المكرمة ، ويعمل فيه أساتذة وباحثون يابانيون مسلمون تخرج معظمهم في جامعات عربية وإسلامية كما تشكلت أيضا لجنة شرعية يرأسها طيب المختار موتو .
أما جامعة دوشيشه في كيوتو فقد أنشأت مؤخرا في كلية الإلهيات قسما للدراسات الإسلامية والعربية ، وجامعة دوشيشه جامعة تأسست قبل أكثر من مائة سنة بهدف دعم النشاط التنصيري في اليابان87 وقد بدأ العمل بهذا القسم الذي يهتم بتدريس الفكر الإسلامي وتفسير القرآن الكريم ودراسة السنة والسيرة النبوية واللغة العربية واللغة الفارسية والفقه وأصول الفقه في المرحلة الجامعية وفي الدراسات العليا أيضا ، ويرأسه حاليا البروفيسور الدكتور حسن ناكاتا ، ويعاونه الشيخ معمر جونيا سينوهي ويعمل به مسلمون يابانيون وأساتذة زائرون من بلدان العلم العربي والإسلامي .
أما المعهد العربي الإسلامي فيلقى هذه الأيام ترحيبا من اليابانيين على جميع المستويات ، كما أن نشاطه المتزايد يلقى الترحيب أيضا على المستوى الرسمي من الخارج والداخل ، وهو بصدد عقد ندوة قريبا – أشرنا إليها - تجمع ما بين المفكرين في المملكة و العربية السعودية والمفكرين اليابانيين .
كما كان لاستخدام الانترنيت أو ما يطلق عليه الشبكة العنكبوتية أعظم الأثر في التعريف بالإسلام بين اليابانيين ، وهناك موقع " مسلم نيت " وهو موقع حصري ، يقتصر الدخول فيه على المسلمين اليابانيين فقط ، يناقشون فيه أمورا تتعلق بالإسلام وقضايا العالم الإسلامي ، ويتبادلون فيه المعلومات والآراء ، ويشرف عليه الدكتور حسن ناكاتا وزوجته السيدة حبيبة ناكاتا ، ويتصف الموقع بالحيادية المطلقة ، وحرية الرأي والنقاش ، ويستخدم اللغة اليابانية فقط لأنه مقصور على المسلمين اليابانيين كما ذكرنا ، وهناك مواقع أخرى شخصية لعدد كبير من المسلمين اليابانيين والمسلمات اليابانيات ، تهدف إلى التعريف بالثقافة والحضارة الإسلامية ، والكتابة عن التجارب الشخصية أو إثارة تساؤلات عامة .
كما أن موقع المركز الإسلامي على الانترنيت ، وموقع مسجد طوكيو الجامعة وموقع المعهد العربية الإسلامي وموقع جمعية مسلمي اليابان مواقع مفيدة أيضا ، مع أنها تركز على التعريف بنشاطاتها ، ولهذا فهي تختلف عن نوعية موقع مسلم نيت الذي يتبادل فيه اليابانيون المسلمون آراءهم ومعلوماتهم ويعلنون عن نشاطاتهم أو نشاطات غيرهم .
وقد فرض الوضع في اليابان على جمعية مسلمي اليابان أن تنشط وتعمل رغما عنها ، فالمؤسسات الحكومية وغير الحكومية والمنظمات المختلفة داخل اليابان عادة ما تلجأ إليها للرد على التساؤلات والاستفسارات التي تظهر فيما يتعلق ببعض قضايا ذات صلة بالإسلام أو العالم الإسلامي ، وقد أقبل كثير من اليابانيين على الإسلام ، ويذكر أمين توكوماس أنه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر فإن ما يقرب من 300 ياباني يدخلون الإسلام كل سنة .
كما تجدر الإشارة إلى أن الجمعية تتعاون مع جميع الجهات الرسمية وغير الرسمية في دعم الخطاب الإسلامي الصحيح في اليابان فهي تتعاون مع الجامعات اليابانية والخارجية اليابانية والمعهد العربي الإسلامي وجمعيات الصداقة اليابانية العربية والإسلامية والمدارس المؤسسة حديثا وغيرها ، لأن أعضاءها يعملون هنا وهناك ، وينشطون من خلال المؤسسات الحكومية وغيرها.
أما الصحافة الإسلامية فقد نشطت صحيفة مسلم شينبون التي تصدر باليابانية كل شهر وتوزع على المسلمين اليابانيين داخل اليابان وخارجها ، وهي تشبه إلى حد كبير موقع مسلم نيت فصفحاتها مفتوحة لجميع القراء للتعبير بحرية عن آرائهم88 وقد صدر مؤخرا العدد رقم 137 في 20 ديسمبر 2003م .
ومن الجدير بالذكر أن الجالية التركية في طوكيو بدأت في إصدار مجلة شهرية بعنوان " يا سو را جي " بجيم قاهرية وتعني الاستراحة وقد صدر منها عدد ديسمبر هذا العام والحقيقة أن المجلة تخاطب القارئ بشكل مختلف تماما عن أسلوب مسلم شينبون سابقة الذكر فالمجلة تتضمن شعرا ومقالات مترجمة ووصفات لأطباق شهية فضلا عن ترجمات مأخوذة من كتب تتعلق بالتاريخ الإسلامي أو الإعجاز العلمي في القرآن ويمكن تصفحها في موقعها على الانترنيت.89
وهناك مجلات أخرى كانت تصدر من قبل ، ولا تزال مستمرة ، مثل مجلة جمعية الصداقة اليابانية السعودية التي أصبحت تسمى صداقة أما مجلة جمعية الصداقة اليابانية الكويتية فأصبحت تسمى الدانه ، وهي تقدم بعض مظاهر الحضارة العربية الإسلامية فضلا عن تغطية النشاطات التي تتعلق بالعلاقة بين اليابان والبلدان المعنية ، كما توجد مجلة الإسلام لسان حال جمعية مسلمي اليابان ، ومجلة السلام لسان حال المركز الإسلامي ، ومجلة السلام قدمت خدمات عظيمة لنشر الثقافة العربية الإسلامية في اليابان عن طريق ترجمة المقالات والبحوث العربية وعرض بعض الكتب ، واستكتاب بعض اليابانيين في موضوعات تتعلق بالإسلام في اليابان أو تتعلق بالقرآن الكريم والسيرة النبوية أو الفقه الإسلام وغيرها من موضوعات مهمة ، وقد رد ذكر بعضها في الصفحات السابقة وفي الحواشي والتعليقات ، والأمل معقود على أن يصدر المعهد العربي الإسلامي – فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مجلة باليابانية تهتم بنشر موضوعات عن الثقافة العربية الإسلامية وتجذب الباحثين والكتاب اليابانيين.
خاتمة :
ما يمكن التأكد منه في خاتمة هذا البحث، هو أن الخطاب الإسلامي، رغم الحملات السلبية ضد الإسلام في المدة الأخيرة، ، ما فتيء مسموعا لدي الشعب الياباني الذي يتوق إلى التعرف على هذا الدين وعلى حضاراته ، وإذا كان أحد المفكرين اليابانيين قد ذكر بأن الشنتو ديانة لم تبلغ لليابانيين لكنهم تصيدوها بأنفسهم ، فإنه يمكن القول بأن اليابانيين هذه الأيام يبحثون عن الإسلام ، ويتشوقون لمعرفة ما يتعلق به من حضارة وثقافة وعقيدة.
وقد بدأ الباحثون اليابانيون المكلفون من قبل المسئولين الرسميين في إجراء دراسات عن وضع المسلمين المقيمين في اليابان ، وكانت النتيجة في مجملها أن اليابانيين المسلمين يتفهمون تماما الوضع في بلادهم ، ويتفهمون ضرورة الانسجام والتناغم مع المجتمع ككل ، وكذلك الجالية التركية التي قدمت إلى اليابان منذ أكثر من قرن وربع القرن ، فهي تفهم طبيعة المجتمع وحدوده ، وتقاليده ، وقد عاشت في هدوء ، تمارس عقيدتها الإسلامية وتختلط بالشعب ، وتعيش في وئام تام ، أما المقيمون من دول عربية مثلا ، فلا حرج ، فهم يقضون بضع سنوات ويعودون ، وكذا من جاءوا من إيران ، فهم لا يهتمون بشيء ، ويلاحظ أنهم يندمجون في الحياة مدة إقامتهم ثم يعودون أدراجهم ، لكن المسألة التي تهم المسئولين تتركز على جالية أبناء شبه القارة الهندية من هنود وباكستانيين وبنغاليين ، فهؤلاء قدموا ليستقروا ، فالتحقوا بالأعمال الصعبة ، وتزوجوا من أهل البلاد وأنجبوا ، وكونوا تجمعات في طوكيو وما حولها ، وتمكنوا بجهودهم الشخصية من بناء مساجد ومصليات صغيرة ، اقتطعوا ثمنها من رواتبهم القليلة ، وأثاروا إعجاب من حولهم من اليابانيين ، وجذبوا إليهم جيرانهم ، الذين شعروا بالراحة في جوارهم بعد أن تمكن هؤلاء من شراء دور القمار أو المراقص التي تثير الضجيج طوال الليل ، وحولوها إلى مصليات يسودها الهدوء ، وتغلفها السكينة .وفي الوقت الذي ينظر الناس بإعجاب هؤلاء المسلمين الذين يداومون على الصلاة ويتصفون بالخلق الحسن ، يتساءل المسئولون الرسميون ، ماذا لو ترتب على تبلور هذه الهوية "الإسلامية" إشكاليات سياسية أو قانونية تشبه تلك التي تعرفها الأقليات الإسلامية الأخرى في العالم؟.... ويظل السؤال معلقا ليجيب عليه الباحثون اليابانيون الذين يرصدون نوعية الخطاب الإسلامي في اليابان ..
--------------------------------------------------------------------------------
1 أنظر: الكوجيكي، (وقائع الأشياء القديمة)، ترجمة وتقديم محمد عضيمة، بيروت، دار الكنوز الأدبية، ط1، سنة1999. ص 83. و أيضا: كرم خليل، التيارات الأدبية في الأدب الياباني الحديث والمعاصر،كتاب الرياض، العدد 68، أغسطس 1999م.ص18 .
2 الكوجيكي ، ص18.
3 المصدر، ص22.
4 المصدر.
5 المصدر، ص95.
6 المصدر، ص98.
7 المصدر، ص 23.
8 المصدر، ص81.
9 المصدر، ص 83.
10 أنظر: سمير عبد الحميد، الإسلام والأديان في اليابان، مكتبـــة الملك عبد العزيز ، الرياض 2001م. ص 32.
11 المصدر السابق، ص 51.
12 المصدر، ص 69.
13 المصدر، ص 75.
Skyo, Ono : Shinto the way of Kami PP 96 قارن: 14
15 أنظر: سمير عبد الحميد، الإسلام والأديان في اليابان، مصدر مذكور، ص 91.
16 راجع حول هذا الموضوع المصدر السابق،ص 172 وما بعدها.
17 للمزيد من المعلومات حول هذه الطوائف أنظر،سمير عبد الحميد، المصدر السابق، صص 97-107.
18 أنظر المصدر نفسه ص 137
20 المصدر، ص 162.
21 أنظر: I. Notobeih , Bushido PP 16-17
22 أنظر: محمد خليفة، تاريخ الأديان، القاهرة،ص 123.
23 أنظر: البوشيدو وقيم الحضارة العربية الإسلامية، ة الملك عبد العزيز، الرياض، الصفحات المتعلقة.
24 أنظر: William Forbs , Japan Today P 104
وانظر أيضا: Japanese Religion P 77
25 سمير عبد الحميد ، الأديان في اليابان، ص 295
26 المصدر،ص 300
27 المصدر السابق، ص 225.
28 أنظر: E. Saunders, Buddhism in Japan P 206
29 أنظر: إدوين رايشار ، اليابانيون الكويت ، سلسلة عالم المعرفة. ص 317.
30 أنظر: Buddhism in Japan P268
31 الإسلام والأديان في اليابان ، ص ص 253-270
32 أنظر: سمير عبد الحميد، الدعوة الإسلامية في اليابان بين نظريات الدعاية وواقعيات التطبيق الجريسي القاهرة الصفحات المتعلقة.
33 سمير عبد الحميد،الإسلام والديان في اليابان، ص ص 330-331.
34 أنظر: Hiso Lee , The advent of Islam in Korea P 163
35 أنظر: علي الجرجاوي، الرحلة اليابانية، نشر وتقديم وتعليق سمير نوح، مؤسسة الرسالة الشركة المتحدة للتوزيع ، بيروت 1996م. ص 53.
36 أنظر: الإسلام والأديان في اليابان، مصدر مذكور، ص 341.
37 أنظر: Hiso Lee, P 172
38 قارن، الجرجاوي، الرحلة اليابانية، مصدر سابق.
39 الإسلام والأديان في اليابان، مصدر مذكور، ص 341.
40 ومثال ذلك ما حدث لقربان علي الذي قبل في البداية وتم الترحيب به ثم طرد فيما بعد .
41 مجلة معارف الهندية، مجلد 35، عدد 5 ، سنة 1935.
42 الإسلام والأديان في اليابان ص 439 وما بعدها.
43 هي سو لي، عبد الرشيد إبراهيم والعلاقات الإسلامية اليابانية ترجمة كمال أحمد خوجه مخطوط ص 75.
44 حديث الأمير إيتو مع عبد الرشيد في المصدر السابق ص 81.
45 المصدر نفسه، ص 82.
46 ذكر عبد الرشيد إبراهيم أنهم طبعوا منه خمسة ملايين نسخة، المصدر السابق ص 86.
47 وهي الآن حي يقع في قلب أحياء طوكيو التي تمثل طوكيو الكبرى.
48 وردت القصة في مذكرات عبد الرشيد انظر هي سو لي ص 91.
49 المصدر.
50 انظر صالح السامرائ ، الدعوة الإسلامية في اليابان تاريخا وتطورا ، مقال، منشورات المركز الإسلامي بطوكيو، ص 2 و ص 10.
51 السامرائي، المقال السابق، ص 11.
52 أنظر: سمير عبد الحميد، البوشيدو روح اليابان وقيم الحضارة العربية الإسلامية،مكتبة الملك عبد العزيز، الرياض.
53 قارن : تناكا إيبيه، رائد الدراسات الإسلامية في اليابان،تحرير نخبة من الأساتذة، جامعة تاكشوك،ترجمة سمير عبد الحميد وسارة تاكا هاشي. تحت الطبع.
54 المصدر نفسه.
55 أنظر: هي سو لي، العلاقات الإسلامية اليابانية ، ص 132.
56 في كتابه الذي صدر بالإنجليزية في لندن عام 1935م بعنوان Crescent in the Country of Rising Sun
57 هي سولي، مصدر سابق، ص 133.
58 انظر : تناكا إيبيه رائد الدراسات الإسلامية في اليابان الصفحات المتعلقة.
59 أنظر: أووتسكا تاكيه هيرو، أوكاوا شوميه رائد مبدأ آسيا المتوحدة، ترجمة أحمد محمد فتحي، القاهرة.
60 كتاب بببلوجرافيا الكتب والأبحاث التي نشرت في اليابان منذ البداية وحتى عام 1985.
61 أنظر: عبد الكريم تومئيوكا، بحث عن الإسلام في اليابان مكمل لدرجة البكالوريوس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة 1411 هجرية غير مطبوع ، وأيضا سمير عبد الحميد الإسلام والأديان في اليابان ص 405 .
62 الإسلام والأديان في اليابان. ص 429.
63 النشرة التعريفية بالمركز الإسلامي في اليابان، ص1
64 تذكر بعض المصادر أن 1775 يابانيا اعتنقوا الإسلام في ستة أشهر .
65 من هذه الدول العراق وإيران وليبيا.
66 أنظر: الإسلام والأديان في اليابان، مصدر مذكور، ص 465 وما بعدها.
67 المصدر.
68 المصدر نفسه، ص 476.
69 جريدة آشاهي شينبوم، 27 أغسطس، 1966.
70 الإسلام والأديان في اليابان ص 520
71 صحيفة نيهون كئيزاي شينبون.
72 انظر الصحف الصادرة في أكتوبر 1998م .
73 الإسلام والأديان في اليابان، الصفحات المتعلقة بترجمة معاني القرآن الكريم.
74 مجلة السلام 25/9/1981م
75 مجلة السلام 25/12/1981م
76 مجلة السلام 25/9/1988.
77 الإسلام والأديان في اليابان ص 467 وما بعدها
78 ورد في الصحيفة على لسان يا سونوري المختص بشؤون الشرق الأوسط ما يلي : في الإسلام تمثل الأسرة العمود الفقري للعلاقات الاجتماعية فالقضية إذن ليست مسألة شخصية تتعلق بفرد واحد أو تتعلق بشخصين ، فالزواج الشرعي يعني أن الرجل والمرأة زوجان وبينهما أطفال لهم حقوق في المجتمع أما الزواج غير الشرعي فلا يعطي المرأة أي حق كما أن الزوجين والأطفال جميعا لا يتمتعون بأي حقوق اجتماعية وهكذا يرى الأصوليون أن هذا الرجل نصر أبو زيد يخرب العلاقة الاجتماعية ويفسدها ويسئ إلى أساس المجتمع " وأضاف : هناك من المفكرين أصحاب الاتجاه الإسلامي وكذلك المفكرين المهتمين بالشئون الاجتماعية من ينتقد هذا الحكم ويرى الأصوليون أن الفكر الإسلامي لا يخاطب الناس دائما وفقط بأسلوب هذا ممنوع وهذا ممنوع ، لا .. فالإسلام حقيقة يقبل الآراء المختلفة ما لم تكن تتعارض مع أصول العقيدة ويسمح بالنقد ، ولا يقبل الأشياء على علاتها ، فهدف الإسلام هو تحقيق السعادة للبشر جميعا من خلال وضع أسس لحياة سليمة صحيحة ، ويقول هؤلاء بأن الإسلام دين سهل متسامح يتعامل مع كل زمان ويصلح لكل مكان وهذا هو الأساس والكيفية التي يتم عن طريقها تطبيق الإسلام بين الناس " انتهى آساهي شنبون 27 أغسطس 1996م .
79 صدرت في 25 مارس 2002 في مجلد ضخم يقع في 500 صفحة وقام بإعداده فريق يتكون من أربعة من المستعربين اليابانيين بإشراف الدكتورة موتوكو كاتاكورا الأستاذة بجامعة تشيو في طوكيو. انظر عرض وتحليل دائرة معارف العالم الإسلامي ، سمير عبد الحميد، ص 38 وما بعدها أحوال المعرفة مكتبية الملك عبد العزيز ،ع 26 السنة ، السابعة سبتمبر 2002م.
80 أحمد سوزكي من الجيل الثاني لمسلمي اليابان فقد ولد لأب مسلم ويذكر أن أباه وعمه أديا فريضة الحج أما هو فدرس في الأزهر وعمل بالسفارة اليابانية في السعودية ثم في شركة سوميتومو التجارية قسم الشرق الأوسط وعاش سنوات في السودان والأردن والبحرين واليمن واستقال من عمله سنة 1997 وانتقل للعمل مستشارا اقتصاديا في الفلبين وفي سنة 2001م .
81 سبق أن صدرت ترجمة صحيح مسلم في ثلاث مجلدات بالتعاون بين جمعية الصداقة اليابانية السعودية وجمعية مسلمي اليابان.
82 يشتمل المجلد الأول على تفسير سورة الفاتحة حتى سورة الأعراف ، واهتمت بنشره جمعية الصداقة اليابانية السعودية .
83 نشرت له مجلة الفيصل قصة مترجمة بعنوان القميص المنحوس كما نشرت له مجلة نوافذ نادي جدة الأدبي قصة بعنوان إشارة الخطر.
84 انظر مسلم شينبون العدد 136 الصادر في 20 نوفمبر 2003م .
85 أنظر الموقع الإلكتروني:
www.horizonyokohama.org
والتدريس فيها باللغتين الإنجليزية واليابانية وتقبل التلاميذ من جميع الجنسيات دون تفرقة أو تمييز وهي تدرس لغة ثالثة يمكن أن تكون الهندية أو لأردية أو البنغالية أو الصينية أو الكورية أو العربية أو الإندونيسية أو الماليزية أو التجالوج أو الروسية أو الإسبانية أو الفرنسية وغيرها كما يوجد ترتيب لتدريس القرآن الكريم مع اللغات المذكورة ويتولى نظارة المدرسة محمد كامران شوكت علي من باكستان نشرة المدرسة باللغة الإنجليزية وموقع المدرسة على الانترنيت هو :
www.sophia-school.com
86 جريدة الأهرام 12 أغسطس 2002م وأيضا 19 أغسطس 2002م رسالة كيوتو احمد الحسيبني هاشم وأيضا نشرة المؤتمر الصادرة باليابانية والإنجليزية أغسطس 2002م وصحيفة بوكيو تايمز الأسبوعية اليابانية 8 أغسطس 2002م وأيضا مجلة صداقة باليابانية العدد 209 سبتمبر 2002م ص12.
87 من المواد التي تدرس في المرحلة الجامعية دراسات في السيرة والسنة ، مدخل إلى الفقه الإسلامي وتفسير آيات الأحكام المتعلقة بالنساء ، والبيع والنظام الاقتصادي في الإسلام وعلوم القرآن والحديث ، مدخل إلى فهم الإسلام علم أصول الدين فقه العبادات تاريخ الفكر الإسلامي مع قراءة نصوص من التراث الإسلام مع دراسة قواعد اللغة العربية والمحادثة انظر موقعها على الانترنيت للتعرف على تاريخا وكلياتها ومناهجها
88 الإسلام والأديان في اليابان الصفحات المتعلقة.
89 فقد تضمن عدد ديسمبر 2002 على سبيل المثال تهنئة بالعيد من المحرر بالإضافة إلى أشعار تركية مترجمة إلى اليابانية ومقال بعنوان كيف نتعلم ممن يهمله الناس بقلم كاتب تركي يدعى قربان ، ثم مقال بعنوان حفل إفطار بقلم تناكا ساتشكو ، ثم ترجمة للحديث النبوي لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ، ومقال مترجم عن القرآن والعلم مع ذكر المصدر ثم مقتطفات من سيرة ابن هشام ترجمة هيجوتشي ميجومي ( بجيم قاهرية ) ومقال آخر مترجم ودعاء مع إثبات النص العربي مع الترجمة والنطق بحروف الكاتاكانا ثم مقال عن زكاة الفطر مأخوذ من موقع الإسلام في الانترنيت وأخير وصفة لطبق تركي مكون من اللحم والأرز وأخيرا مع القراء انظر الموقع على الانترنيت:
http://isuramu.netfirms.com/m_yasuragi.htm
http://www.science-islam.net/article.php3?id_article=812〈=ar
عقيدة
Labels: عقيدة
1 Comments:
مقال رائع ومفيد..كنت أبحث عن مثله
Post a Comment
<< Home