علي هامش إستقالة أول وزير دفاع لليابان:
رسالة طوكيو: د.أحمد قنديل
لم يفلح اعتذار وزير الدفاع الياباني السابق فوميو كيوما العلني والصريح ولا التوبيخ الذي وجهه اليه رئيس الحكومة شينزو آبي في تخفيف حدة الغضب الذي أنفجر في العديد من الأوساط الشعبية والسياسية اليابانية نتيجة تصريحاته التي أعتبرها الكثيرون تبريرا لقيام الولايات المتحدة بقصف هيروشيما وناجازاكي بالقنابل الذرية أثناء الحرب العالمية الثانية. فما تزال أغلبية الشعب الياباني تتذكر أن الحليف الأمريكي أرتكب منذ52 عاما هذه المأساة التي أدت إلي مقتل ما يزيد علي200 الف شخص في هاتين المدينتين
إلي جانب الآثار النفسية والبدنية الرهيبة التي يعاني منها آلاف الضحايا الآخرين حتي الآن من جراء الإشعاعات الناجمة عن هذا العمل الفريد في تاريخ الأنسانية.
حفظ ماء وجه الحكومة أهم من المنصب
الغضب الشعبي وإرتفاع أصوات أحزاب المعارضة الرئيسية بضرورة إقالة وزير الدفاع دفعا السيد كيوما إلي تقديم إستقالته قبل ساعات قليلة من مناقشة الأمر في البرلمان حتي يحرم هذه الأحزاب من توجيه سهامها السامة إلي الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم في فترة بالغة الحرج خاصة وأن اليابان مقبلة علي انتخابات التجديد النصفي لمجلس المستشارين- أعلي مجلس في البرلمان- في التاسع والعشرين من الشهر الجاري. ولم يكن أمام رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلا قبول إستقالة وزير دفاعه الذي يعد أول وزير للدفاع في تاريخ اليابان الحديث منذ تحول وكالة الدفاع إلي وزراة في يناير الماضي لحفظ ما تبقي من ماء وجهه في وقت تظهر فيه استطلاعات الرأي تدني شعبيته إلي أقل من30 في المائة وهو أدني معدل منذ توليه منصبه في سبتمبر2006.
القصف النووي كان أفضل
ثلاثة أيام فقط فصلت بين الأستقالة وتصريحات كيوما الذي رأي فيها أن القصف النووي الأمريكي لبلاده في نهاية الحرب العالمية الثانية رغم وحشيته وضراوته قد ساعدها علي تجنب عدد أكبر من الضحايا في حال إذا ما أستمرت الحرب وقام الاتحاد السوفيتي بغزو اليابان بعد سيطرته علي أجزاء كبيرة من أوروبا ومنشوريا. فقد أدي هذا القصف من وجهة نظر كيوما إلي إجبار اليابان علي الاستسلام وبالتالي إنقاذ أرواح أكثر كان من الممكن لها الرحيل إلي العالم الآخر في حال وقوع الغزو السوفيتي لليابان.
سر الرفض الشعبي والسياسي الجامح لتصريحات وزير الدفاع الياباني السابق هو أنها تتناقض تماما مع الموقف الذي أتبعه غالبية الساسة اليابانيين طوال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية والذي يقوم علي مبدأ رفض تبرير إستخدام الأسلحة النووية تحت أي مبرر خاصة أن اليابان تعتبر البلد الوحيد الذي تعرض للقصف النووي. فضلا عن وجود أتجاه قوي داخل العديد من الأوساط العسكرية والسياسية اليابانية يؤيد فكرة أن الولايات المتحدة لم تكن في حاجة حقيقية لإستخدام السلاح النووي ضد اليابان لتحقيق النصر العسكري الحاسم في الحرب. حيث كانت كل المؤشرات في عام1945 توضح أن اليابان في طريقها للهزيمة لا محالة وهي الفكرة التي عبر عنها بوضوح الرئيس الأمريكي السابق دوايت ايزنهاور عندما كان قائدا لقوات التحالف في أوروبا في ذلك الحين.
إرضاء الحليف الأمريكي
فسر عدد من المراقبين تبريرات كيوما للقصف النووي الأمريكي لبلاده برغبته في تحسين علاقته مع الولايات المتحدة. خاصة وأن هذه العلاقة شهدت توترا مثيرا بعد تصريحاته في يناير الماضي والتي أكد فيها أن قرار الرئيس الأمريكي جورج بوش بغزو العراق كان قرارا خاطئا. وهو ما تسبب في حدوث قطيعة بينه وبين كبار المسئولين في الإدارة الأمريكية حتي أن نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني تجنب مقابلته عند زيارته لطوكيو في فبراير الماضي.
دلالات مهمة
وبغض النظر عن صحة هذا التفسير من عدمه يعتقد أغلبية المتابعين للشأن الياباني أن خطورة الرأي الذي عبر عنه وزير الدفاع الياباني السابق تتمثل في عدة أمور. الأمر الأول هو أن تبرير إستخدام الأسلحة النووية في الماضي يعني إمكانية التسامح بشأن إستخدامها في المستقبل إذا دعت الضرورة لذلك. وهو ما يلقي بظلال كثيفة من الشك حول موضوعين بالغي الأهمية لهما علاقة وثيقة بمنطقة الشرق الأوسط. الموضوع الأول هو جدية موقف اليابان الداعي إلي نزع جميع أنواع الأسلحة النووية من العالم بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط. أما الموضوع الثاني فهو إمكانية تسامح حلفاء واشنطن ومن بينهم طوكيو مع ضربة نووية تكتيكية من جانب الولايات المتحدة تجاه إيران في حال قيام الولايات المتحدة بشن هجوم عسكري لتغيير النظام الحاكم في طهران.
الأمر الثاني الذي تثيره تصريحات كيوما والرفض الشعبي لها هو أن الحكومة اليابانية تعيش في مأزق حرج منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فالتحالف الأمني والأستراتيجي بين طوكيو وواشنطن وقيام الأخيرة بمد مظلتها النووية عليها ووجود50 ألف جندي أمريكي للدفاع عن اليابان ضد التهديدات الخارجية يجعل من العسير علي الساسة اليابانيين التعامل الدبلوماسي مع المأساة التي تعرض لها الشعب الياباني من جراء القصف النووي الأمريكي لهيروشيما ونجازاكي وضرب المقاتلات الأمريكية لطوكيو أثناء الحرب العالمية الثانية. فالحكومات اليابانية المتعاقبة لم تستطع مثلا مطالبة واشنطن بالاعتذار عن هذه الجرائم ودفع تعويضات لضحاياها وهو ما يسبب جرحا عميقا في الكبرياء القومية اليابانية علي حد وصف العديد من المراقبين. إلا أن ذلك الموقف من جانب ساسة اليابان ربما يعود إلي حاجة بلادهم الماسة إلي المظلة النووية الأمريكية التي تشكل رادعا أساسيا للدفاع عن الجزر اليابانية خاصة مع نشاط البرامج النووية والصاروخية لكوريا الشمالية.
الأمر الثالث الذي تثيره إستقالة وزير الدفاع الياباني هو وجود قيود شعبية حقيقية في ظل النظام الديمقراطي الياباني علي رغبة القيادة السياسية في لعب دور عسكري أكبر علي الساحة العالمية عن طريق تعزيز تحالفها الأمني والأستراتيجي مع الولايات المتحدة. ورغم أن هذه القيود لم تنجح في جبح جماح حكومة كويزومي السابقة علي إرسال قوات الدفاع الذاتي للعراق وأفغانستان إلا أنها لاتزال تشكل تحديا جادا أمام رغبة حكومة شينزو آبي في تعديل المادة التاسعة من الدستور السلمي الياباني والتي تمنع اللجوء إلي القوة العسكرية من أجل حل المنازعات الدولية.
علي أي حال تعتبر إستقالة وزير الدفاع الياباني نتيجة الغضب الشعبي من موقفه التبريري لقيام الولايات المتحدة بقصف بلاده نوويا رسالة واضحة إلي العالم مفادها أن تبرير إستخدام الأسلحة النووية في الماضي لا يعني سوي نسيان التاريخ والموافقة علي قيام الدول النووية بشن هجمات نووية في المستقبل وهو ما سيسفر عنه قتلا عشوائيا لآلاف المدنيين الأبرياء في العالم مع ما يعنيه ذلك من تناقض واضح مع كافة المبادئ الأنسانية المتعارف عليها منذ بدء البشرية.
abahy@ahram.org.eg
عن الأهرام القاهرية
7 - 7 سياسة خارجية
لم يفلح اعتذار وزير الدفاع الياباني السابق فوميو كيوما العلني والصريح ولا التوبيخ الذي وجهه اليه رئيس الحكومة شينزو آبي في تخفيف حدة الغضب الذي أنفجر في العديد من الأوساط الشعبية والسياسية اليابانية نتيجة تصريحاته التي أعتبرها الكثيرون تبريرا لقيام الولايات المتحدة بقصف هيروشيما وناجازاكي بالقنابل الذرية أثناء الحرب العالمية الثانية. فما تزال أغلبية الشعب الياباني تتذكر أن الحليف الأمريكي أرتكب منذ52 عاما هذه المأساة التي أدت إلي مقتل ما يزيد علي200 الف شخص في هاتين المدينتين
إلي جانب الآثار النفسية والبدنية الرهيبة التي يعاني منها آلاف الضحايا الآخرين حتي الآن من جراء الإشعاعات الناجمة عن هذا العمل الفريد في تاريخ الأنسانية.
حفظ ماء وجه الحكومة أهم من المنصب
الغضب الشعبي وإرتفاع أصوات أحزاب المعارضة الرئيسية بضرورة إقالة وزير الدفاع دفعا السيد كيوما إلي تقديم إستقالته قبل ساعات قليلة من مناقشة الأمر في البرلمان حتي يحرم هذه الأحزاب من توجيه سهامها السامة إلي الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم في فترة بالغة الحرج خاصة وأن اليابان مقبلة علي انتخابات التجديد النصفي لمجلس المستشارين- أعلي مجلس في البرلمان- في التاسع والعشرين من الشهر الجاري. ولم يكن أمام رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلا قبول إستقالة وزير دفاعه الذي يعد أول وزير للدفاع في تاريخ اليابان الحديث منذ تحول وكالة الدفاع إلي وزراة في يناير الماضي لحفظ ما تبقي من ماء وجهه في وقت تظهر فيه استطلاعات الرأي تدني شعبيته إلي أقل من30 في المائة وهو أدني معدل منذ توليه منصبه في سبتمبر2006.
القصف النووي كان أفضل
ثلاثة أيام فقط فصلت بين الأستقالة وتصريحات كيوما الذي رأي فيها أن القصف النووي الأمريكي لبلاده في نهاية الحرب العالمية الثانية رغم وحشيته وضراوته قد ساعدها علي تجنب عدد أكبر من الضحايا في حال إذا ما أستمرت الحرب وقام الاتحاد السوفيتي بغزو اليابان بعد سيطرته علي أجزاء كبيرة من أوروبا ومنشوريا. فقد أدي هذا القصف من وجهة نظر كيوما إلي إجبار اليابان علي الاستسلام وبالتالي إنقاذ أرواح أكثر كان من الممكن لها الرحيل إلي العالم الآخر في حال وقوع الغزو السوفيتي لليابان.
سر الرفض الشعبي والسياسي الجامح لتصريحات وزير الدفاع الياباني السابق هو أنها تتناقض تماما مع الموقف الذي أتبعه غالبية الساسة اليابانيين طوال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية والذي يقوم علي مبدأ رفض تبرير إستخدام الأسلحة النووية تحت أي مبرر خاصة أن اليابان تعتبر البلد الوحيد الذي تعرض للقصف النووي. فضلا عن وجود أتجاه قوي داخل العديد من الأوساط العسكرية والسياسية اليابانية يؤيد فكرة أن الولايات المتحدة لم تكن في حاجة حقيقية لإستخدام السلاح النووي ضد اليابان لتحقيق النصر العسكري الحاسم في الحرب. حيث كانت كل المؤشرات في عام1945 توضح أن اليابان في طريقها للهزيمة لا محالة وهي الفكرة التي عبر عنها بوضوح الرئيس الأمريكي السابق دوايت ايزنهاور عندما كان قائدا لقوات التحالف في أوروبا في ذلك الحين.
إرضاء الحليف الأمريكي
فسر عدد من المراقبين تبريرات كيوما للقصف النووي الأمريكي لبلاده برغبته في تحسين علاقته مع الولايات المتحدة. خاصة وأن هذه العلاقة شهدت توترا مثيرا بعد تصريحاته في يناير الماضي والتي أكد فيها أن قرار الرئيس الأمريكي جورج بوش بغزو العراق كان قرارا خاطئا. وهو ما تسبب في حدوث قطيعة بينه وبين كبار المسئولين في الإدارة الأمريكية حتي أن نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني تجنب مقابلته عند زيارته لطوكيو في فبراير الماضي.
دلالات مهمة
وبغض النظر عن صحة هذا التفسير من عدمه يعتقد أغلبية المتابعين للشأن الياباني أن خطورة الرأي الذي عبر عنه وزير الدفاع الياباني السابق تتمثل في عدة أمور. الأمر الأول هو أن تبرير إستخدام الأسلحة النووية في الماضي يعني إمكانية التسامح بشأن إستخدامها في المستقبل إذا دعت الضرورة لذلك. وهو ما يلقي بظلال كثيفة من الشك حول موضوعين بالغي الأهمية لهما علاقة وثيقة بمنطقة الشرق الأوسط. الموضوع الأول هو جدية موقف اليابان الداعي إلي نزع جميع أنواع الأسلحة النووية من العالم بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط. أما الموضوع الثاني فهو إمكانية تسامح حلفاء واشنطن ومن بينهم طوكيو مع ضربة نووية تكتيكية من جانب الولايات المتحدة تجاه إيران في حال قيام الولايات المتحدة بشن هجوم عسكري لتغيير النظام الحاكم في طهران.
الأمر الثاني الذي تثيره تصريحات كيوما والرفض الشعبي لها هو أن الحكومة اليابانية تعيش في مأزق حرج منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فالتحالف الأمني والأستراتيجي بين طوكيو وواشنطن وقيام الأخيرة بمد مظلتها النووية عليها ووجود50 ألف جندي أمريكي للدفاع عن اليابان ضد التهديدات الخارجية يجعل من العسير علي الساسة اليابانيين التعامل الدبلوماسي مع المأساة التي تعرض لها الشعب الياباني من جراء القصف النووي الأمريكي لهيروشيما ونجازاكي وضرب المقاتلات الأمريكية لطوكيو أثناء الحرب العالمية الثانية. فالحكومات اليابانية المتعاقبة لم تستطع مثلا مطالبة واشنطن بالاعتذار عن هذه الجرائم ودفع تعويضات لضحاياها وهو ما يسبب جرحا عميقا في الكبرياء القومية اليابانية علي حد وصف العديد من المراقبين. إلا أن ذلك الموقف من جانب ساسة اليابان ربما يعود إلي حاجة بلادهم الماسة إلي المظلة النووية الأمريكية التي تشكل رادعا أساسيا للدفاع عن الجزر اليابانية خاصة مع نشاط البرامج النووية والصاروخية لكوريا الشمالية.
الأمر الثالث الذي تثيره إستقالة وزير الدفاع الياباني هو وجود قيود شعبية حقيقية في ظل النظام الديمقراطي الياباني علي رغبة القيادة السياسية في لعب دور عسكري أكبر علي الساحة العالمية عن طريق تعزيز تحالفها الأمني والأستراتيجي مع الولايات المتحدة. ورغم أن هذه القيود لم تنجح في جبح جماح حكومة كويزومي السابقة علي إرسال قوات الدفاع الذاتي للعراق وأفغانستان إلا أنها لاتزال تشكل تحديا جادا أمام رغبة حكومة شينزو آبي في تعديل المادة التاسعة من الدستور السلمي الياباني والتي تمنع اللجوء إلي القوة العسكرية من أجل حل المنازعات الدولية.
علي أي حال تعتبر إستقالة وزير الدفاع الياباني نتيجة الغضب الشعبي من موقفه التبريري لقيام الولايات المتحدة بقصف بلاده نوويا رسالة واضحة إلي العالم مفادها أن تبرير إستخدام الأسلحة النووية في الماضي لا يعني سوي نسيان التاريخ والموافقة علي قيام الدول النووية بشن هجمات نووية في المستقبل وهو ما سيسفر عنه قتلا عشوائيا لآلاف المدنيين الأبرياء في العالم مع ما يعنيه ذلك من تناقض واضح مع كافة المبادئ الأنسانية المتعارف عليها منذ بدء البشرية.
abahy@ahram.org.eg
عن الأهرام القاهرية
7 - 7 سياسة خارجية
Labels: سياسة خارجية
1 Comments:
مع أني لا أقرأ صحيفة الأهرام إلا قليلاً إلا أن هذه المقالة فيها أفكار جيدة ,لم أكن أتصور حالة الشعب في اليابان بعد تصريحات كيوما إلا بعدما تخيلت أن يقوم أحد المسئولين العرب ويقول إن إحتلال إسرائيل للدول العربية كان ضروري حينها تخيلت فعلاً حالة الشعوب العربية من الغضب وما سينتج عنه هذا الغضب!!!,أليس الشعب الياباني غضبان أيضاً من تصريحات كيوما بنفس الطريقة
أخوكم محمود حلمي
Post a Comment
<< Home